لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وتأكيداً على مسألة الوفاء بالعهد والثبات في الإيمان (باعتبار ذلك من العوامل المهمّة في ثبات المجتمع) يقول القرآن: (ولا تتخذوا أيمانكم دَخَلا بينكم)أي وسيلة للخداع والنفاق، لأنّ في ذلك خطرين كبيرين: الأوّل: (فتزل قدم بعد ثبوتها)، لأنّ مَنْ يبرم عهداً أو يطلق قسماً ونيته أنْ لا يفي بذلك فسوف لا يعول عليه الناس ولا يثقون به، ومثله كمن وضع قدمه على أرض قد بدت له أنّها صلبة ومحكمة، إِلاّ أنّها زلقة في الواقع، وستكون سبباً في انزلاقه وسقوطه. الثّاني: (وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل اللّه) في هذه الدنيا (ولكم عذاب عظيم) في الآخرة. من الآثار السلبية لنقض العهود والأيمان شياع سوء ظن الناس وتنفرهم من الدين الحق، وتشتت الصفوف وفقدان الثقة حتى لا يرغب الناس في الإِسلام، وإِنْ عقدوا معكم عهداً فسوف لا يجدون أنفسهم ملزمين بالوفاء به، وهذا ما يؤدي لمساوي، ومفاسد كثيرة وبروز حالة التخلف في الحياة الدنيا. وأمّا على صعيد الحياة الأُخرى فإِنه سيكون سبباً للعقاب بالعذاب الإِلهي. بحثان 1 - فلسفة احترام العهد كما هو معلوم فإِنّ الثقة المتبادلة بين أفراد المجتمع تمثل أهم دعائم رسوخ المجتمع، بل من دعائم تشكيل المجتمع وإِخراجه من حالة الآحاد المتفرقة وإِعطائه صفة التجمع، وبالإِضافة لكون أصل الثقة المتبادلة يعتبر السند القويم للقيام بالفعاليات الإِجتماعية والتعاون على مستوى واسع. والعهد والقسم من مؤكدات حفظ هذا الإِرتباط وهذه الثقة، وإِذا تصورنا مجتمعاً كان نقض العهد فيه هو السائد، فمعنى ذلك انعدام الثقة بشكل عام في ذلك المجتمع، وعندها سوف يتحول المجتمع الى آحاد متناثرة تفتقد الإِرتباط والقدرة والفاعلية الاجتماعيه. ولهذا نجد أنّ الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة تؤكّد باهتمام بالغ على مسألة الوفاء بالعهد والأيمان، وتعتبر نقضها من كبائر الذنوب. وقد أشار أمير المؤمنين(عليه السلام) إِلى أهمية هذا الموضوع في الإِسلام والجاهلية واعتبره من أهم المواضيع في قوله عند عهده لمالك الأشتر "فإِنّه ليس من فرائض اللّه شيء الناس أشد عليه اجتماعاً من تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم، من تعظيم الوفاء بالعهود، وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من عواقب الغدر"(3). ونجد في أحكام الحرب الإِسلامية أنّ إِعطاه الأمان من قبل فرد واحد من جيش المسلمين لشخص أو كتيبة من كتائب العدو يوجب مراعاة ذلك على كل المسلمين!! يقول المؤرخون والمفسّرون: من جملة الأُمور التي جعلت الكثير من الناس في صدر الإِسلام يعتنقون هذا الدين الإِلهي العظيم هو التزام المسلمين الراسخ بالعهود والمواثيق ورعايتهم لأيمانهم. وما لهذا الأمر من أهمية بحيث دفع سلمان الفارسي لأنْ يقول: (تهلك هذه الأُمّة بنقض مواثيقها)(4). أيْ أنّ الوفاء بالعهد والميثاق كما أنّه يوجب القدرة والنعمة والتقدم، فنقضهما يؤدي إِلى الضعف والعجز والهلاك. ونجد في التأريخ الإِسلامي أنّ المسلمين عندما غلبوا جيش الساسانيين في عهد الخليفة الثّاني وأسروا الهرمزان قائد جيش فارس، وجاؤوا به إِلى عمر، قال له عمر: ما حجتك وما عذرك في انتقاضك مرّة بعد أُخرى؟ فقال: أخاف أنْ تقتلني قبل أنْ أخبرك. قال: لا تخف ذلك، واستسقى ماءً فأتى به في قدح غليظ. فقال: لو مت عطشاً لم أستطع أنْ أشرب في مثل هذا!! فأتى به في إِناء يرضاه... فقال: إِنّي أخاف أنْ أُقتل وأنا أشرب. فقال عمر: لا بأس عليك حتى تشربه، فأكفأه... فقال عمر: أعيدوا عليه ولا تجمعوا عليه بين القتل والعطش... فقال: لا حاجة لي في الماء، إِنّما أردت أنْ أستأمن به. فقال عمر له: إِنّي قاتلك. فقال: قد أمنتني. فقال: كذبت. قال أنس: صدق يا أمير المؤمنين قد أمنته. فقال عمر: يا أنس، أنا أُؤمن قاتل مجزأة بن ثور، والبراء بن مالك!! ولله لتأتّين بمخرج أو لأعاقبنّك. قال: قلتَ له: لا بأس عليك حتى تخبرني، ولا بأس عليك حتى تشربه... وقال له من حوله مثل ذلك... فأقبل على الهرمزان وقال: خدعتني، واللّه لا أنخدع إِلاّ أنْ تسلم فأسلم(5). 2 - ما لا يقبل في نقض العهود: إِنّ قبح نقض العهد الشناعة بحيث لا احداً على استعداد لأن يتحمل مسؤوليته بصراحة إلاّ النادر من الناس حتى أن ناقض العهد يلتمس لذلك اعذاراً وتبريرات مهما كانت واهية لتبرير فعلته. وقد ذكرت لنا الآيات أعلاه نموذجاً لذلك... فبعض المسلمين يتذرعون بحجج واهية ككثرة الأعداء وقلة المؤمنين للتنصل من عهودهم مع اللّه والنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فتكون مواقفهم متزلزلة، في حين أنّ الأكثرية من حيث العدد لا تمثل القدرة والقوة في واقع الحال، وانتصار القلّة المؤمنة على الكثرة غير المؤمنة من الشواهد المعروفة في تأريخ البشرية، ثمّ إِنّ حصول القدرة والقوة للأعداء - على فرض حصولها - لا تسوغ لأن تكون مبرراً مقبولا لنقض العهد، ولو دققنا النظر في الإمر لرأينا في واقعه أنّه نوع من الشرك والجهل باللّه عزَّوجلّ. وقد تجسّد هذا الموضوع بعينه في عصرنا الحاضر ولكنْ بصورة أُخرى... فقسم من الدول الإسلامية الصغيرة في الظاهر قد تنصلت عن أداء وظائفها في نصرة المؤمنين لخوفها من الدول الإِستعمارية الكبرى، فتقدم في حساباتها قدرة البشر الهزيلة على قدرة اللّه المطلقة، وتلتجيء إِلى غير اللّه وتخشى غيره، وتنقض عهدها مع بارئها، وكل ذلك من بقايا الشرك وعبادة الأصنام. ﴿وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ﴾ كرر تأكيدا ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ﴾ أي أقدامكم عن طريق الحق ﴿بَعْدَ ثُبُوتِهَا﴾ عليه وهو مثل لمن وقع في بلاء بعد عافية ﴿وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ﴾ العذاب في الدنيا ﴿بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ﴾ أي بصدكم عن الوفاء أو بصدكم غيركم عنه لأنه يقتدي بسنتكم ﴿وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ في الآخرة قال الصادق (عليه السلام) هذه الآيات في ولاية علي وما كان من قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) سلموا عليه بإمرة المؤمنين.