التّفسير
تستمرّ هذه الآية في تبيان الأحكام التي أقرّها الإسلام للطلاق، لكي لا تهمل حقوق المرأة وحرمتها.
تقول الآية: ما دامت العدّة لم تنته، وحتّى في آخر يوم من أيامها، فإنّ للرجل أن يصالح زوجته ويعيدها إليه في حياة زوجية حميمة: (فأمسكوهنّ بمعروف).
وإذا لم تتحسّن الظروف بينهما فيطلق سراحها (أو سرّحوهنّ بمعروف).
ولكن كلّ رجوع أو تسريح يجب أن يكون في جوّ من الإحسان والمعروف وأن لا يخالطه شيء من روح الإنتقام.
ثمّ تشير الآية إلى المفهوم المقابل لذلك وتقول: (ولا تمسكوهنّ ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه).
هذه الجملة في الحقيقة تفسير لكلمة "معروف" أي أنّ الرجوع يجب أن يكون على أساس من الصفاء والوئام، وذلك لأن الجاهليّين كانوا يتّخذون من الطّلاق والرجوع وسيلة للإنتقام، ولهذا يقول القرآن بلهجة قاطعة: إنّ استرجاع الزوجة يجب أن لا يكون رغبة في الإيذاء والإعتداء، إذ أنّ ذلك- فضلاً عن كونه ظلماً للزوجة- ظلم لنفس الزوج أيضاً.
والآن علينا أن نعرف لماذا يكون ظلم الزوج زوجته ظلماً لنفسه أيضاً؟
أولاً: إنّ الرجوع المبني على غمط الحقوق لايمكن أن يمنح الهدوء والاستقرار.
ثانياً: الرجل والمرأة- بالنظرة القرآنية- جزءان من جسد واحد في نظام الخلقة، فكلّ غمط لحقوق المرأة هو ظلم وعدوان على الرجل نفسه.
ثالثاً: إنّ من يستسيغ ظلم الآخرين يكون غرضاً لنيل العقاب الإلهي، فيكون بذلك قد ظلم نفسه.
ثمّ يحذّر القرآن الجميع:(ولا تتّخذوا آيات الله هزواً) هذا التعبير يمكن أن يكون إشارة إلى بعض التقاليد الجاهلية المترسّخة في أفكار الناس، ففي الرواية أنّ بعض الرجال في العصر الجاهلي يقولون حين الطّلاق: أنّ هدفنا من الطّلاق هو اللّعب والمزاح، وكذلك الحال عندما يعتقون عبداً أو يتزّوجون من امرأة.
فنزلت الآية أعلاه لتحذّرهم بأنّ كلّ من يطلّق زوجته أو يعتق عبده أو يتزوّج من إمرأة أو يزوّجها من شخص آخر، ثمّ يدّعي أنّه كان يمزح ويلعب فإنّه لا يُقبل
منه، ويتحقّق ما أقدم عليه في الواقع العملي بشكل جاد(1).
ويُحتمل أيضاً أنّ الآية ناظرة إلى حال الأشخاص الّذين يستغلّون الأحكام الشرعيّة لتبرير مخالفاتهم ويتمسّكون بالظّواهر من أجل بعض الحيل الشرعيّة، فالقرآن يعتبر هذا العمل نوع من الإستهزاء بآيات الله، ومن ذلك نفس مسألة الزّواج والطّلاق والرّجوع في زمان العدّة بنيّة الإنتقام وإلحاق الضرّر بالمرأة والتّظاهر بأنَّه يستفيد من حقّه القانوني.
فعلى هذا لاينبغي الإغماض عن روح الأحكام الإلهيّة والتمسّك فقط بالظّواهر الجامدة لها، فلا ينبغي إتّخاذ آيات الله ملعبة بيد هؤلاء، فإنّه يُعتبر ذنب عظيم ويترتّب عليه عقوبة أليمة.
ثمّ تضيف الآية (واذكروا نعمة الله عليكم وما اُنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعضكم به واتّقوا الله واعلموا أنّ الله بكلّ شيء عليم).
هذه تحذيرات من أجل أن تعلموا: أوّلاً: أنّ الله تعالى عدّ تلك التصرّفات من خرافات وتقاليد الجاهليّة الشنيعة بالنّسبة إلى الزّواج والطّلاق وغير ذلك، فأنقذكم منها وأرشدكم إلى أحكام الإسلام الحياتية، فينبغي أن تعرفوا قدر هذه النّعمة العظيمة وتؤدّوا حقّها، وثانياً: بالنسبة إلى حقوق المرأة ينبغي أن لا تسيئوا إليها بالإستفاده من موقعيّتكم، ويجب أن تعلموا أنّ الله تعالى مُطّلعٌ حتّى على نيّاتكم(2).
﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ قاربن آخر عدتهن ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ اتركوهن حتى تنقضي عدتهن بلا ضرار وكرر هذا الحكم للاهتمام به ﴿أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا﴾ نصب علة أو حالا كان المطلق يترك المطلقة حتى تقارب الأجل ثم يراجعها لتطول العدة عليها وهو الضرار ﴿لَّتَعْتَدُواْ﴾ لتظلموهن أو تلجئوهن إلى الافتداء ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ بتعريضها للعذاب ﴿وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا﴾ لا تستخفوا بأوامره ونواهيه ﴿وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ﴾ بالإسلام وبمحمد فقابلوها بالشكر أو بما أباحه لكم من زواج وأموال ﴿وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ﴾ القرآن ﴿وَالْحِكْمَةِ﴾ السنة فاعملوا بهما ﴿يَعِظُكُم بِهِ﴾ بما أنزل ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ تهديد وتأكيد.