التّفسير
المرتدون عن الإِسلام:
تكمل هذه الآيات ما شرعت به الآيات السابقة من الحديث عن المشركين والكفار وما كانوا يقومون به، فتتناول الآيات فئة أُخرى من الكفرة وهم المرتدون.
حيث تقول الآية الأُولى: (مَنْ كفر بالله من بعد إِيمانه إِلاّ مَنْ أُكره وقلبه مطمئن بالإِيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من اللّه، ولهم عذاب عظيم).
وتشير الآية إِلى نوعين من الذين كفروا بعد إِيمانهم:
النوع الأوّل: هم الذين يقعون في قبضة العدو الغاشم ويتحملون أذاه وتعذيبه، ولكنّهم لا يصبرون تحت ضغط ما يلاقوة من أعداء الإِسلام، فيعلنون براءتهم من الإِسلام وولاءهم للكفر، على أنّ ما يعلنوه لا يتعدى حركة اللسان، وأمّا قلوبهم فتبقى ممتلئة بالإِيمان.
فهذا النوع يكون مشمولا بالعفو الإِلهي بلا ريب، بل لم يصدر منهم ذنب، لأنّهم قد مارسوا التقية التي أحلها الإِسلام لحفظ النفس وحفظ الطاقات للإِستفادة منها في طريق خدمة دين اللّه عزَّوجلّ.
النوع الثّاني: هم الذين يفتحون للكفر أبواب قلوبهم حقيقةً، ويغيّرون مسيرتهم ويتخلّون عن إِيمانهم، فهؤلاء يشملهم غضب اللّه عزَّ وجلّ وعذابه العظيم.
ويمكن أن يكون "غضب اللّه" إِشارة إِلى حرمانهم من الرحمة الإِلهية والهداية في الحياة الدنيا، و"العذاب العظيم" إِشارة إِلى عقابهم في الحياة الأُخرى... وعلى أيَّةِ حال، فما جاء في الآية من وعيد للمرتدين هو في غاية الشدة.
﴿مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ﴾ على كلمة الكفر فقالها ﴿وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾ ثابت عليه ﴿وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا﴾ فتحه أي طابت نفسه به ﴿فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ أكره قريش جماعة على الإرتداد منهم عمار وأبواه فقتلوا أبويه وأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا مكرها فقال قوم كفر عمار فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كلا إنه مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه فأتاه عمار يبكي فمسح عينيه وقال إن عادوا لك فعد لهم فنزلت.