وتأتي الآية التالية لتطرح موضوع تحريم المشركين لبعض اللحوم بلا سبب أو دليل، والذي تطرق القرآن إِليه سابقاً بشكل غير مباشر، فتأتي الآية لتطرحه صراحةً حيث تقول: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على اللّه الكذب)(2).
أيْ إِنّ ما جئتم به ليس إِلاّ كذبة صريحة أطلقتها ألسنتكم في تحليلكم أشياء بحسب ما تهوى أنفسكم، وتحريمكم لأخرى!! (أشارة إِلى الأنعام التي حرمها البعض على نفسه، والبعض الآخر حللها لنفسه بعد أنْ جعل قسماً منها لأصنامه).
فهل أعطاكم اللّه حقّ سنّ القوانين؟ أمْ أنّ أفكاركم المنحرفة وتقاليدكم العمياء هي التي دفعتكم لإِحداث هذه البدع؟ ...أوَ ليس هذا كذباً وافتراءاً على اللّه؟!!
وجاء في الآية (136) من سورة الأنعام بوضوح: (وجعلوا لله ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى اللّه وما كان لله فهو يصل إِلى شركائهم ساء ما يحكمون).
ويستفاد كذلك من الآية (148) من سورة الأنعام: (سيقول الذين أُشركوا لو شاء اللّه ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرّمنا من شيء) أنّهم كانوا يجعلون لأنفسهم حق التشريع في التحليل والتحريم، ويظنون أنّ اللّه يؤيد بدعهم!! (وعلى هذا فكانوا يضعون البدعة أوّلاً ويحللون ويحرمون ثمّ ينسبون ذلك إِلى اللّه فيكون إِفتراءاً آخر)(3).
ويحذر القرآن في آخر الآية بقوله: (إِن الذين يفترون على اللّه الكذب لا يفلحون) لأنّ من مسببات الشقاء الأساسية الكذب والإِفتراء على أيِّ إِنسان، فكيف به اذا كان على اللّه عزَّ وجلّ!!؟ فلا أقل والحال هذه من مضاعفة آثاره السيئة.
﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ﴾ لا ينالون خيرا.