ومن أجل أن تحرِّك الآية التالية عواطف بني إِسرائيل وتحفّزهم لشكر النعم الإِلهية عليهم، خصوصاً نعمة نزول الكتاب السماوي، فإِنّها تضع لهم نموذجاً للعبد الشكور فتقول: (ذرية مَن حملنا مع نوح)(2) ولا تنسوا: (إِنَّهُ كان عبداً شكوراً).
والآية تخاطب بني إِسرائيل بأنّهم أولاد مَن كانَ مع نوح، وعليهم أن يقتدوا ببرنامج أسلافهم وآبائهم في الشكر لأنعم اللّه.
"شكور" صيغة مبالغة بمعنى "كثير الشكر"، وأمّا كون بني إِسرائيل ذرية مَن كانَ مع نوح، فإِنّ ذلك قد يعود إِلى أنَّ مَن في الأرض جميعاً، بعد طوفان نوح، ومنهم بنو إِسرائيل، هم كُلّهم مِن سلالة الأبناء الثلاثة لنوح، أي "سام" و"حام" و"يافث" كما ورد في كتب التاريخ، وممّا لا شك فيه أنَّ كل أنبياء اللّه شكورون، ولكنَّ الأحاديث تعطي ميزة خاصّة لنوح الذي كان دائم الشكر على كل نعمة ففي كل شربة ماء، أو وجبة غذاء، أو وصول نعمة أُخرى له فإنّه يذكر اللّه فوراً ويشكره على نعمائه.
وفي حديث عن الإِمام الباقر والصادق(عليهما السلام) نقرأ قولهما إِنَّ نوحاً كان يقرأ هذا الدعاء في كل صباح ومساء، "اللّهم إِنّي أشهدك أنَّ ما أصبح أو أمس بي مِن نعمة في دين أو دنيا فمنك، وحدك لا شريك لك، لك الحمد ولك الشكر بها عليّ حتى ترضى، وبعد الرضا".
ثمّ أضاف الإِمام: "هكذا كان شكر نوح"(3).
بعد هذه الإِشارة تدخل الآيات إِلى تاريخ بني إِسرائيل المليء بالأحداث، فتقول: (وقضينا إِلى بني إِسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلُن علواً كبيراً).
كلمة "قضاء" لها عدّة معان، إِلاّ أنّها استخدمت هنا بمعنى "إِعلام" أمّا المقصود مِن "الأرض" في الآية - بقرينة الآيات الأُخرى هي ارض فلسطين المقدسة التي يقع المسجد الأقصى المبارك في ربوعها.
﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ﴾ إذ الناس كلهم منه ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾ كثير الشكر.