تقول الآية: (ويدعُ الإِنسانُ بالشر دعائه بالخير).
لماذا؟: (وكان الإِنسان عجولا).
إِنَّ كلمة "دعا" هُنا تنطوي على معنى واسع يشمل كل طلب ورغبة للإِنسان، سواء أعلن عنها بلسانه وكلامه، أو سعى إِليها بعمله وجهده وسلوكه.
إِنَّ استعجال الإِنسان واندفاعه في سبيل تحصيل المنافع لِنفسه، تقوده إِلى النظرة السطحية للأُمور بحيثُ أنَّهُ لا يحيط الأشياء بالدراسة الشاملة المعمّقة ممّا يفوّت عليه تشخيص خيره الحقيقي ومنفعته الواقعية، وهكذا بنتيجة تعجّله واندفاعه المُضطرب يَضيع عليه وجه الحقيقة، ويتغيَّر مضمونها بنظره، فيقود نفسه باتجاه الشر والأعمال السيئة الضارّة.
وهكذا ينتهي الإِنسان - نتيجة سوء تشخيصه واضطراب مقياسه في رؤية الخير والحقيقة - إِلى أن يطلب من اللّه الشر، تماماً كما يطلب مِنُه الخير، وأن يسعى وراء الأعمال السيئة، كسعيه وراء الأعمال الحسنة.
وهذا الإِضطراب وفقدان الموازين هي أسوأ بلاء يصاب به الإِنسان ويحول بينهُ وبين السعادة الحقيقية.
ما أكثر الناس الذين يضعون أنفسهم - بسبب من عجلتهم واندفاعاتهم المضطربة - على حافة الخطر ومشارف الضلال، وهم يظنون أنّهم يسيرون نحو الأمن والإستقرار والهداية.
إِنَّ مثل هؤلاء كمن هو غارق بالسوء والقبائح وهو يفتخر بما هو فيه!!!!
إِنّ نتيجة العجلة والتسرُّع والإِندفاع الأهوج لن تكون أحسن مِن هذه العاقبة.
مِن هنا يتّضح - كما أشرنا سابقاً - أنَّ معنى "دعا" لا يقتصر لا على الرغبات التي يظهرها الإِنسان على لسانه، ولا على تلك الرغبات التي يسعى لتحقيقها بسلوكه وبما يبذل لها مِن جهد; وإِنّما المعنى يشمل محصلة الإِثنين معاً.
وأمّا ما ذهب إِليه بعض المفسّرين من حصر المعنى في أحدهما فليس ثمّة دليل عليه.
أمّا ما يظهر من بعض الرّوايات مِن اقتصار المعنى على الدعاء اللفظي، فإِنَّ ذلك مِن قبيل بيان المصداق لا كل المفهوم من قبيل الرّواية التي يقول فيها الإِمام الصادق(عليه السلام): "وأعرف طريق نجاتك وهلاكك، كي لا تدعو اللّه بشيء عسى فيه هلاكك، وأنت تظن أنّ فيه نجاتك، قال اللّه تعالى: (ويدع الإِنسان بالشر دعائه بالخير وكانَ الإِنسان عجولا).
مِن هنا يتبيّن أنّ أفضل طريق لوصول الإِنسان إِلى الخير والسعادة، هو أن يكون الفرد في كل خطوة وموقف على غاية قصوى من الدقّة والحيطة والحذر، وأن يتجنب الإِندفاع والعجلة والتسرُّع، ويدرس الموقف مِن جميع جوانبه، ويجانب الأحكام المتعجِّلة الممزوجة بالهوى والعاطفة، وأن يستعين باللّه العزيز ويستمده القوة والعون.
الآية التي بعدها تتحدث عن تعاقب الليل والنهار ومنافع هذا التعاقب، لتجعل مِن هذا الشاهد مثالا على معرفة اللّه والتمعُّن بآياته، والمثال أيضاً يُفيد معنى التأمُّل والهدوء ويدعو إِلى محاذرة التعجُّل والتسرُّع.
﴿وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ﴾ على نفسه وأهله ضجرا ﴿دُعَاءهُ﴾ كدعائه له ﴿بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ﴾ أي جنسه ﴿عَجُولاً﴾ بالدعاء بالشر لم ينتظر عاقبته.