فلا تبخل عليها بأي شكل من إِشكال المحبّة واللطف ولا تؤذيهما أو تجرح عواطفهما بأقل إِهانة حتى بكلمة "اُف": (فلا تقل لهما أف ولا تنهر هما)(2) بل: (وقل لهما قولا كريماً) وكن أمامهما في غاية التواضع (وأخفض لهما جناح الذل مِن الرحمة، وقل ربّ ارحمهما كما ربياني صغيراً).
الأهمية الإِستثنائية لاحترام الوالدين:
إِنَّ الآيتين السابقتين توضحان جانباً من التعامل الأخلاقي الدقيق، والإِحترام الذي ينبغي أن يؤدّيه الأبناء للوالدين:
1 - من جانب أشارت الآية إِلى فترة الشيخوخة، وحاجة الوالدين في هذه الفترة إِلى المحبّة والإِحترام أكثر مِن أي فترة سابقة، إِذ الآية تقول: (إِمّا يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف).
مِن الممكن أن يصل الوالدان إِلى مرحلة يكونان فيها غير قادرين على الحركة دون مساعدة الآخرين، وقد لا يستطيعون بسبب الكهولة رفع الخبائث عنهم، وهنا يبدأ الإِختبار العظيم للأبناء، فهل يعتبرون وجود مِثل هذين الوالدين دليل الرحمة، أو أنّهم يحسبون ذلك بلاءاً ومصيبةً وعذاباً ... هل عندهم الصبر الكافي لاحترام مثل هؤلاء الآباء والأمهات; أم أنّهم يوجهون الإِهانات ويسيئون الأدب لهم; ويتمنون موتهم؟!!
2 - مِن جانب آخر ... تقول الآية: (فلا تقل لهما أف) بمعنى لا تظهر عدم ارتياحك أو تنفرك مِنهم (ولا تنهرهما) ثمّ تؤكّد مرّة أُخرى على ضرورة التحدّث معهم بالقول الكريم، إِذ اللسان مفتاح إِلى القلب (وقل لهما قولا كريماً).
3 - مِن جانب ثالث تأمر الآية بالتواضع لهم، هذا التواضع الذي يكون علامة المحبة، ودليل الود لهم: (واخفض لهما جناح الذل مِن الرحمة).
4 - أخيراً تنتهي الآيات، إِلى توجيه الإِنسان نحو الدعاء لوالدَيْه وذكرهم بالخير سواء كانا أمواتاً أم أحياء، وطلب الرحمة الرّبانية لهما جزاء لما قاما به مِن تربية (وقل ربّ ارحمهما كما ربياني صغيراً).
إِضافة إِلى ما ذكرناه، فثمّة ملاحظة لطيفة أُخرى يطويها التعبير القرآني، هذه الملاحظة خطاب للإِنسان يقول: إِذ أصبح والداك مُسِنَيّن وضعيفين وكهلين لا يستطيعان الحركة أو رفع الخبائث عنهما، فلا تنس أنّك عندما كُنت صغيراً كُنت على هذه الشاكلة أيضاً، ولكن والديك لم يقصرا في مداراتك والعناية بك، لذا فلا تقصَّر أنت في مداراتهم ومحبتهم.
﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ﴾ الإضافة البيانية أي جناحك الذليل ﴿مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ من الرقة عليهما ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ كرحمتهما لي بتربيتهما إياي صغيرا فإني عاجز عن مكافاتهما.