لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
خامساً: تشير الآية بعد ذلك إِلى الوفاء بالعهد فتقول: (وأوفوا بالعهد إِنَّ العهد كان مسؤولا). سادساً: آخر حكم من الأحكام الستة، يتصل بالعدل في الوزن والكيل ورعاية حقوق الناس في ذلك ومحاربة التطفيف في الميزان حيثُ تقول الآية الكريمة: (وأوفوا الكيل إِذا كلتم، وزنوا بالقسطاس المستقيم، ذلك خير وأحسن تأويلا). ملاحظات 1 - أضرار التطفيف في الكيل: أوّل ملاحظة ينبغي الإِنتباه إِليها هنا، هي أنَّ القرآن الكريم أكدّ مِراراً على ضرورة الوزن للناس بالقسطاس، وحذَّر مِن البخس والتطفيف في الميزان حتى أنَّهُ اعتبر ذلك في موضع، مُرادفاً لنظام الخلق في عالم الوجود، حيثُ نقرأ في الآيتين (7، 8) مِن سورة الرحمن، قوله تعالى: (والسماء رفعها ووضع الميزان، أن لا تطغوا في الميزان). والآية تشير إِلى أنَّ مسألة بخس الناس والتطفيف في الميزان ليست مسألة صغيرة، بل هي كبيرة وتدخل في صميم أصول العدالة والنظام المهيمن على عالم الوجود برمته. في مكان آخر، وبأُسلوب أكثر قوّة، يهدِّد القرآن المطففين، بقوله، كما في سورة المطففين (1 - 4): (ويلَ للمطففين الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإِذا كالوهم أو وزنوهم يُخسرون، ألا يظن أُولئك أنّهم مبعوثون ليوم عظيم). بعض الأنبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن كانوا يُحاربون التطفيف بعد الشرك مُباشرة، كما حصل لشعيب مع قومه; ولمّا لم يلتفتوا إلى تعليمات نبيّهم نالهم العذاب الأليم. (تراجع القصة في نهاية آية 85 مِن سوره آل عمران). وعادةً، فإِنَّ الحق والعدل والنظام والحساب، كل هذه الأُمور تعتبر أصولا أساسية للحياة، بل وتدخل في نظام الوجود والخلق، لذلك فابتعاد الناس عن هذا الأصل - خصوصاً بالنسبة لبخس الكيل والتطفيف في الميزان - يؤدي إِلى إِنزال ضربة شديدة بالثقة التي تعتبر جوهر استقرار التعامل الإِقتصادي بين الناس. ومع الأسف فإِنّنا نرى - في بعض الأحيان - أنَّ غير المسلمين، ولأغراض كسب الثقة بأنفسهم وتجارتهم، يلتزمون بشكل دقيق بالمواصفات والأرقام المُتفق عليها، بينما يتجاوز بعض المسلمين هذه الحدود!! وهذه إِشارة على أنَّ طريق الدنيا أيضاً يمر من خلال عدم الخيانة والغش. وينبغي أن يلاحظ هنا أنَّ هؤلاء الذين يَخلّون بالميزان ويطففون الكيل مسؤولون أمام المُشتري مسؤولية حقوقية، لذلك فإِنَّ توبتهم لا تتم إِلاّ برد الحقوق المغصوبة إلى أهلها، وإِذا تعذَّر عليهم ذلك، فينبغي لهم إِعطاء ما يساويها إِلى الفقراء والمحتاجين بعنوان رد مظالم عن الأصحاب الحقيقيين. 2 - ما هو حكم التطفيف وبخس الكيل؟ الجدير بالملاحظة أن حكم التطفيف وبخس الكيل، قد يعمَّم بحيث يشمل كل أشكال التقصير المتعمد في الأعمال والوظائف المختلفة، فمن التطفيف مَن لا ينجِز عمله كاملا، والمعلم الذي لا يدرِّس بشكل جيد، والموظف الذي لا يلتزم بأوقات عمله وهو غير حريص عليه. ولكن الألفاظ المستخدمة في هذه الآيه لا تفيد معنى هذا التعميم، فهي من التوسعة العقلية إِلاّ أنَّ قوله تعالى: (والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان) يشير إِلى هذا التعميم. 3 - ما هو معنى "قسطاس"؟ "قِسطاس" بكسر القاف أو ضمها على وزن "مِقياس" وأحياناً تقاس على وزن "قُرآن" بمعنى "الميزان" والبعض يعتبرها كلمة رومية، بينما البعض يرى بأنّها كلمة عربية. وهناك مَن يقول بأنّها مركبة مِن كلمتين هما "قسط" بمعنى العدل و"طاس" بمعنى كفة الميزان. أمّا البعض الآخر فيقول بأنَّ كلمة "قسطاس" تطلق على الميزان الكبير، بينما كلمة "ميزان" تطلق على الموازين الصغيرة(8). وفي كل الأحوال، فإِنَّ (القسطاس المستقيم) تعني الميزان الصحيح والسالم والعادل بدون نقيصة أو زيادة. والطريف هو أنَّ هناك رواية عن الإِمام الباقر(عليه السلام)، تفسر هذه الكلمة بقوله: "هو الميزان الذي له لسان"(9). وذلك لأنّه مع عدم وجود اللسان لا يستطيع الميزان أن يوضح حركة الكفتين بشكل دقيق، أمّا مع وجوده فإِنَّ أقل حركة للكفتين تنعكس على اللسان، وبهذا الشكل يُمكن رعاية العدل كاملا. ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ﴾ أتموه ﴿إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾ بالميزان السوي ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ مآلا ومرجعا.