لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التفسير الانقياد للعلم: في الآيات السابقة وقفنا على مجموعة من الاصول والأحكام الإسلامية التي بدأت بالتوحيد بو صفه أساس هذا التعليم ،وانتهت بالأحكام التي تشمل الحياة الفردية والاجتماعية للإنسان . وفي الآيات التي نبحثها الآن نلتقي مع آخر مجموعة من سلسلة هذه الأحكام حيث تشير الآيات أعلاه الى عدة احكام مهمة : أولا: الالتزام والدقة في العمل: في البداية ينبغي للإنسان المسلم ان يلتزم الدقة في كل الأمور ويجعل العلم رائد( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) في شؤونك الشخصية وفي القضا وة بين الناس ,وفي إعطاء الشهادة ,وحتى في الاعمال الشخصية ليكن رائدك الدائم هو العلم دون غيره. وعلى هذا الأساس يكون مورد الآية شاملا لمعان واسعة ,ولا دليل على ما يذهب اليه بعض المفسرين من تقييد المعنى ببعض ما ورد أعلاه من الموارد والذي يؤدي ذلك ان(َلاَ تَقْفُ) مأخوذة من (قفو)على وزن ((عفو)) وهي تعني متابعة شيء ما، ومن المعلوم ان الأمور التي نتابعها أمور لاتقف عند حد ,لذلك فان النهي الوارد في الآية يشملها جميعا. بنا ءاً على ذلك ، يتضح ان (العلم واليقين)هما أساس المعرفة في كل شيء، وان لا شيء من الظن او التخمين او الشك يسد مسد العلم واليقين ،ومن يعتمد على ما دون العلم فان بذلك يخالف القانون الإسلامي الصريح. وبعبارة أخرى :لا الشائعة يمكن ان تكون مقياس للقضاء والشهادة والعمل. ولا القرائن الظنية .ولا الأخبار غير القطعية المشكوك في مصادرها .وفي النهاية تعلل الآية سبب النهي عن اتباع ما دون العلم فتقول (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) السؤال الذي تواجه به الأعضاء المذكورة يعود الى مسؤولياتها عن الأعمال ، اذ السمع مسؤول عن الكلام المشكوك غير الموثق ,والبصر عن موارد ادعاء الانسان للمشاهدة والرؤية مع انه لم يشاهد او يرى، والفؤاد يسأل عن الأفكار الخاطئة التي تدخل في الأحكام الخاطئة .واذا كان بعض المفسرين يرى ان المسؤولية التي تتحدث عنها الآية تقع على عاتق صاحبها لا عليها –أي الأعضاء –بالذات ،الا ان هناك الكثير من الآيات تصرح بأن الأعضاء نفسها تسأل يوم القيامة (مثل الآية 21من سورة فصلت)وتجيب عما اقترفت ، لذا لك لامعنى لتوجيه المسؤولية –في الآية- من الأعضاء المذكورة الى صاحبها. أما لماذا اشارت الآية – من بين كل حواس الانسان – الى السمع والبصر بالذات؟ فبسبب ذا لك واضح ،اذ ان معظم المعلومات الحسية للإنسان يكون مصدرها السمع والبصر. درس في استقرار النظام الاجتماعي: الآية المذكورة انفاً تشير الى المبادي والاصول المهمة في الحياة الاجتماعية الذي لو طبق في المجتمع البشري بشكل دقيق لأمكن إجتثاث جذور الفساد من الشائعات والأحكام القضائية المتسرعة والظنون العائمة والأكاذيب وامثال ذلك, وفي غير هذه الصورة فأن حالة من الفوضى ستضرب العلاقات الاجتماعية ،اذ سوف لا يبقى أي شخص بمنأى عن الشك والريبة ،وبمأمن عن سوء الظن وستنعدم الثقة بين الأفراد، وتكون مكانة الفرد في المجتمع في خطر دائم. لذلك نرى الآيات والأحاديث الإسلامية تؤكد بكثرة على هذه الفكرة، ومن ذلك: *الآية 36 من سورة يونس تنتقد بشدة الأفراد الذين يتبعون الظن ويجعلون مقياسا لقناعتهم ( وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنَّاً إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْئَاً) اما الآية 23 من سورة النجم ,فإنها اعتبرت الظن في مرتبة اتباع هوى النفس ( إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الاَْنفُس)وفي حديث عن الامام الصادق (ع)وفي حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام ) نقرأ (( إن من حقيقة الإيمان أن لا يجوز منطقك علمك)). وفي حديث عن الإمام موسى بن جعفر (عليهم السلام) نقل عن آبائه (ع),قوله))ليس لك ان تتكلم بما شئت، لان الله عز وجل يقول ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) *وعن الرسول (ص)قال (اياكم والظن فان الظن اكذب الكذب) *وفي من لا يحضره الفقيه ((قال رجل للصادق(ع)ان لي جيرانا ولهم جوار يتغنين ويضربنّ بالعود ، فربما دخلت المخرج فأطيل الجلوس استماعا مني لهن ؟ قال له الصادق عليه السلام ((تالله أنت أما سمعت الله يقول () فقال الرجل : كأني لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله عز وجل من عربي ولا عجمي ، ولا جرم إني قد تركتها وأنا أستغفر الله تعالى)) وفي بعض المصادر الحديثية نقرأ أن الإمام الصادق (عليه السلام) أمر الرجل أن ينهض ويغتسل غسل التوبة، وأن يصلي ما أستطاع ، لأنه قد أرتكب عملاً سيئاً بحيث لو مات حينها لكان مصيره مؤلماً. من خلال مجموع هذه الآيات والروايات تتضح مدى المسؤولية التي تقع على العين والأذن ,وكيف أن الإسلام بنهى عن أن يقول الانسان مالم يسمع, أو مالا يقوم على العلم ،او يتحدث عن أشياء لم يرها, اذ العلم وحده هو الميزان دون اتباع الظن والوهم والحسد او الاعتماد على الشك والاشاعة ،لان سبيل الاعتماد على هذه المصادر يؤدي الى آثار خطرة على حياة الفرد والمجتمع، هذه الآثار يمكن ان نلخصها كما يلي: إن اعتماد ما هو دون العلم، يؤدي الى هضم حقوق الافراد وإعطاء الحق لغير صاحبه. 2-الإعتماد على الظن وما شابهه يؤدي الى تعريض كرامة الانسان المؤمن للخطر، ويقلل أيضا من حماسة واندفاع المخلصين. 3-إعتماد ما هو دون العلم ، يؤدي الى انتشار الشائعات. 4-اعتماد الظن وغيره يقضي على ملاكات الدقة والبحث والتحقيق عند الانسان ويجعله ساذجا سريع التصديق. 5-إن الاعتماد على غير العلم ينقض العلائق الودية الحميمية القائمة بين الناس في البيت والسوق ومحل العمل ،ويجعل بعضهم يسيء الظن بالبعض الآخر. 6-إعتماد غير العلم يفسد في الانسان قابلية الاستقلال الفكري ويجعله عرضه للأفكار الفاسدة. 7-إن الاعتماد غير العلم يكون قاعدة للتعجل في انتخاب الأشياء والحكم على الأشخاص مما يسبب الندامة والفشل فيما بعد. الأوهام وسبل مكافحتها: السؤال: السؤال الذي يرد هنا، هو كيف نصون أنفسنا ومجتمعنا من الانجرار الى هذه العادة الخاطئة (اتباع الظن)ذات العواقب الوخيمة؟ الجواب: والجواب على السؤال يحتاج الى بحث طويل، ولكنا لا نعدم ثلاث اشارات سريعة هي : أ-يجب أن ننبه الناس الى العواقب الخطيرة لاتباع الظن دون العلم، ونحذرهم من مغبة النتائج الوخيمة لذلك. ب- يجب تكريس طريقة التفكير الاسلامي، وجعلها حية في حياة الإنسان ،هذه الطريقة التي تؤكد على أن الانسان مراقب دوما من قبل الله تعالى، انه هو سميع وبصير ، وخبير بالنوايا والبواطن ، اذ جاء في الآية 19 من سورة غافر قوله تعالى ( يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الاَْعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُور) . ج- ينبغي ترشيد المستوى الفكري والثقافي في حياة الانسان المسلم لأن اتباع غير العلم هو سمة يختص بها الجهلاء الذين ما ان يستمعون الى اشاعة معينة حتى يصدقوا بها ويجعلوا منها قاعدة للحكم على القضايا ومقياس لآرائهم. ثانيا: الكبر والغرور ﴿وَلاَ تَقْفُ﴾ تتبع ﴿مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ في العقائد والأعمال ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ﴾ القلب ﴿كُلُّ أُولئِكَ﴾ الأعضاء ﴿كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾.