الآية التي بعدها تدعو الى محاربة الكبر والغرور، وبتعبير واضح ولطيف تنهى المؤمنين عن هاتين الصفتين حيث تخاطب النبي (ص) بالقول (ولا تمش في الأرض مرحا). لماذا؟(إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ) .وهذه اشارة المتكبرين والمغرورين الذي يضربون الأرض بعنف اثناء مشيهم لكي يلتفت الناس اليهم، ويشمخون بأنوفهم الى السماء علامة على افضليتهم المزعومة بين الناس ،لهؤلاء تقول الآية: (إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ).اذ مثل هؤلاء كالنملة التي تمشي على صخرة كبيرة وتضرب برجلها عليها الا ان الصخرة تسخر من حما قتها ،ثم أنت ايها المتكبر هل تستطيع – مهما شمخت بأنفك نحو السماء-أن تكون شيئا ازاء الكرة الأرضية تعتبر ذرة سابحة في عالم الوجود!
اذن فما هذا الكبر والغرور الموجود عندك ايها الانسان؟!
الظريف في الأمر، أن القرآن لم يبحث مباشرة هذه الصفات الداخلية الخطرة في تركيب الانسان ووجود (اي التكبر والغرور)وانما اشار اليها من خلال آثارها والظواهر السلوكية التي تنتج عنها ،حيث تحدث القرآن عن مشية المتكبر والمغرور ،وهذه اشارة الى ان التكبر والغرور، حتى في اهون الصور واقل الحالات ، يعتبر مذموما مخجلا مهما كانت آثاره جزئية وصغيرة.
وفي الآية –أيضا-اشارة الى أن الصفات الداخلية –الباطنية- للإنسان تظهر –شاء ام ابى –من خلال الأعمال والتصرفات ، من خلال المشي مثلا ، او الكلام وامثال ذلك. لهذا السبب ينبغي علينا اذا ما واجهتنا أدنى ظاهرة أو أثر لهذه الصفات ، أن نعرف أن نعرف أن الخطر أصبح قريبا، وان هذه الصفة المذمومة (التكبر والغرور) قد عششت في روحنا ويجب علينا مجاهد تها فورا.
ويمكن أن نفهم من خلال هذه الآية ، وما ذكر في القرآن الكريم (ومن خلال سورة لقمان وسور اخرى) أن التكبر والغرور مرفوضان بشكل عام .لماذا؟ لأن الغرور هو مصدر الغربة عن الله وعن النفس السليمة،
وهو سبب الخطأ في الحكم والقضاء ، وسبيل ضياع الحق والارتباط بخط الشيطان والتلوث بأنواع الذنوب.
فالإمام علي (ع) يقول في صفات المتقين في حديثه الى ((همام)) : ((ومشيهم التواضع)) والمقصود بالمشي هنا ليس التجول في السوق والشارع ، وانما هي كناية عن أسلوب المشي والتعامل في جميع الامور الحياتية ، بما في ذلك خطوطهم الفكرية اذ هم متواضعون في الراكب يؤدي الى غرور الراكب وذلة الماشي.
ونقرأ- أيضا – أن رسول الله (ص) كان يجلس على التراب تواضعا ، ويأكل الطعام كما يأكله العبيد، وكان (ص) يحلب الماعز بنفسه ، ويركب الدابة دون غطاء . وقد كان الرسول (ص) يلتزم هذا السلوك في كل مواقفه حتى عند فتح مكة ، حتى لا يفكر الناس بأنهم اذا وصلوا الى منصب مهم ، او أحرز أنجازا ما ، فان ذلك مدعاة لهم بأن يصابوا بالتكبر والغرور ويكونوا بالتالي بعيدين وغرباء عن الناس والمستضعفين.
وفي سيرة الامام علي (ع) نقرأ انه كان يجلب الماء الى البيت ،وفي بعض الاحيان كان ينظف البيت .
أما سيرة الإمام الحسن (ع) ، فنقرأ أنه (ع) ، حج بيت الله عشرين مرة مشيا على الأقدام، والنجائب (الحامل والدواب) تقاد بين يديه، وكان (ع) يبين أن هذا العمل تواضع لله تعالى .
﴿وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا﴾ ذا مرح أي مختالا ﴿إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ﴾ تشقها بكبرك حتى تبلغ آخرهما ﴿وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً﴾ بتطاولك فكيف تختال وأنت بهذه المثابة.