وفي الآية الثانية تؤكّد على أنّ المسلم لا ينبغي له ترك الصلاة حتّى في أصعب الظروف والشّرائط كما في ميدان القتال، غاية الأمر أنّ الكثير من شرائط الصّلاة في هذا الحال تكون غير لازمة كالإتّجاه نحو القبلة وأداء الرّكوع والسّجود بالشكل الطبيعي، ولذا تقول الآية (فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً).
سواءً كان الخوف في حال الحرب أو من خطر آخر، فإنّ الصّلاة يجب أداءها بالإيماء والإشارة للرّكوع والسّجود، سواءً كنتم مشاة أو راكبين.
(فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علّمكم ما لم تكونوا تعلمون) ففي هذه الصّورة، أي في حالة الأمان يجب عليكم أداء الصّلاة بالصّورة الطبيعيّة مع جميع آدابها وشرائطها.
ومن الواضح أنّ أداء الشكر لهذا التعليم الإلهي للصّلاة في حالة الأمن والخوف هو العمل على وفق هذه التعليمات.
(رجال) جمع (راجل) و (ركبان) جمع (راكب) والمقصود هو أنّكم إذا خفتم العدو في ميدان القتال لكم أن تؤدّوا الصلاة راجلين أو راكبين في حالة الحركة.
وقد ورد عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) أنّه في بعض الحروب أمر المقاتلين أن يصلّوا بالتّسبيح والتكبير وقول (لا إله إلاّ الله)(4)، وكذلك نقرأ في حديث آخر: إنّ النبي صلّى يوم الأحزاب إيماءً(5).
وكذلك ورد عن الإمام الكاظم (عليه السلام) جواز أداء الصلاة في حالة الخوف إلى غير جهة القبلة ويُومي للرّكوع والسجود في حال القيام(6).
فهذه الصلاة هي صلاة الخوف التي شرحها الفقهاء في كتبهم شرحاً مفصّلاً، وعليه فالآية توضّح أنّ إقامة الصلاة والإرتباط بين العبد وخالقه يجب أن يتحقّق في جميع الظروف والحالات، وبهذا تتحصّل نقطة ارتكاز للإنسان واعتماده على الله، فتكون مبعث الأمل والرّجاء في الحياة وتعينه في التغلّب على جميع المصاعب والمشكلات.
بحث
دور الصلاة في تقوية المعنويّات:
قد يحسب البعض أنّ هذا الإصرار والتوكيد على الصلاة ضرب من التعسير، ولربّما منع ذلك الإنسان من القيام بواجبه الخطير في الدّفاع عن نفسه في مثل ظروف القتال الصّعبة.
في حين أنّ هذا الكلام اشتباه كبير، فالإنسان في مثل هذه الحالات أحوج إلى تقوية معنويّته من أي شيء آخر، لأنّه إذا ضعفت معنويّته واستولى عليه الخوف والفزع فإنّ هزيمته تكاد تكون حتميّة، فأيّ عمل أفضل من الصّلاه والإتّصال بالله القادر على كلّ شيء وبيده كلّ شيء من أجل تقويّة معنويّات المجاهدين أو من يواجه الخطر.
لو تركنا الشواهد الكثيرة في جهاد المجاهدين المسلمين في صدر الإسلام فإنّنا نقرأ عن حرب الصهاينة الرّابعة مع العرب في شهر رمضان عام 1393هـ.
ق أنّ توجّه الجنود المسلمين إلى الصّلاة والمباديء الإسلام كان له أثر فعّال في تقوية عزائمهم وفي التالي انتصارهم على عدوّهم.
وعلى أي حال فإنّ أهميّة الصلاة وتأثيرها الإيجابي في الحياه أكبر من أن يستوعبها هذا المختصر، فلا شكّ في أنّ الصّلاة إذا روعيت معها آدابها الخاصّة وحضور القلب فيها فإنّ لها تأثيراً إيجابيّاً عظيماً في حياة الفرد والمجتمع، وبإمكانها أن تحل الكثير من المشاكل وتطهّر المجتمع من الكثير من المفاسد، وتكون للإنسان في الأزمات والشدائد خير معين وصديق(7).
﴿فَإنْ خِفْتُمْ﴾ عدوا أو غيره ولم يمكنكم الصلاة بشرائطها ﴿فَرِجَالاً﴾ جمع راجل ﴿أَوْ رُكْبَانًا﴾ أي فصلوا راجلين أو راكبين على أي هيئة تمكنتم ﴿فَإِذَا أَمِنتُمْ﴾ من الخوف ﴿فَاذْكُرُواْ اللّهَ﴾ صلوا صلاة الأمن أو اشكروه على الأمن ﴿كَمَا﴾ ذكر مثل ما ﴿عَلَّمَكُم﴾ من الشرائع أو شكرا يوازيه ﴿مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ﴾ موصولة أو موصوفة.