أسباب النّزول
المشهور أنَّ هذه الآيات نزلت في أهل مكّة بعد أن قرروا إِخراج النّبي(ص) مِنها.
ثمّ بدَّلوا رأيهم بعد ذلك وقرروا قتلهُ(ص)، فحاصروا بيتهُ(ص) ولكنَّ الله أنجاه مِن هذه المكيدة بشكل إِعجازي واستطاع أن يهاجر إِلى المدينة المنوَّرة.
البعض يرى أنَّ هذه الآيات نزلت بشأن اقتراح يهود المدينة على رسول الله(ص) في أن يخرج مِنها إِلى بلاد الشام باعتبار أنَّ المدينة ليست أرض الأنبياء، بل إِنَّ أرض الأنبياء هي الشام، لذلك قال اليهود لرسول الله(ص): إِذا كنت ترغب بانتشار دعوتك فهاجر إِلى هُناك، إِلى بلاد الشام.
ولكن لمّا كانت هذه السورة مكّية فيتّضح عدم صحّة هذا السبب للنزول، فضلا عن أنّنا سوف نرى أثناء الحديث عن الآيات أنّها - أيضاً - لا تتوافق مع السبب المذكور.
التّفسير
مُؤامرة خبيثة أُخرى:
في الآيات السابقة رأينا كيف أنَّ المشركين أرادوا مِن خلال مكائدهم المختلفة أن يحرفوا رسول الله(ص) عن الطريق المستقيم، لكن الله أنجاه بلطفه له ورعايته إِيّاه، وبذلك فشلت خطط المشركين.
بعد تلك الأحداث، وطبقاً للآيات التي بين أيدينا، وضع المشركون خطّة أُخرى للقضاء على دعوة الرّسول(ص)، وهذه الخطّة تقضي بإِبعاد الرّسول(ص)عن مسقط رأسه (مكّة) إِلى مكان آخر قد يكون مجهولا وبعيداً عن الأنظار.
إِلاَّ أنَّ هذه الخطّة فشلت أيضاً بلطف الله أيضاً.
الآية الأُولى تقول: (وإِن كادوا ليستفزونك مِن الأرض ليخرجوك مِنها)بخطة دقيقة.
وبما أنَّ كلمة "يستفزونك" مُشتقة مِن "استفزاز" التي تأتي في بعض الأحيان بمعنى قطع الجذور، وفي أحيان أُخرى بمعنى الإِثارة مع السرعة والمهارة، فإِنّنا نفهم مِن ذلك أنَّ المشركين وضعوا خطّة محكمة تجعل الوسط المحيط بالرّسول(ص) غير مناسب له، وتُثير عامّة الناس ضدَّه كي يخرجوه بسهولة مِن مكّة.
لكن هؤلاء لا يعرفون أنَّ هناك قوّة أعظم مِن قوّتهم، وهي قوّة الخالق الكبير حيث تتلاشى إِرادتهم دون إِرادته عزَّوجلّ.
ثمّ يحذّرهم القرآن بعد ذلك بقوله: (وإِذاً لا يلبثون خلافك إِلاَّ قليلا)فهؤلاء سيُبادون بسرعة بسبب ذنبهم العظيم في إِخراج القائد الكفوء - الذي تذهب نفسه حسرات على العباد - مِن البلد، إِذ يعتبر ذلك أوضح مداليل كفران النعمة، ومثل هؤلاء القوم لا يستحقون الحياة ويستحقون العذاب الإِلهي
﴿وَإِن﴾ مخففة ﴿كَادُواْ﴾ أي أهل مكة ﴿لَيَسْتَفِزُّونَكَ﴾ ليزعجونك ﴿مِنَ الأَرْضِ﴾ أرض مكة ﴿لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذًا﴾ لو أخرجوك ﴿لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ﴾ فيها وقرىء خلفك ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾ زمانا يسيرا وقد كان ذلك وهو قتلهم ببدر بعد هجرته بسنة.