وبعد أن تذكر الآية أوقات الصلوات الخمس تنتقل الآية التي بعدها إِلى قوله تعالى: (ومِن الليل فتهجَّد به)(5) المفسّرون الإِسلاميون المعروفون يعتبرون هذا التعبير إِشارة إِلى نافلة الليل التي وردت روايات عديدة في فضيلتها، وبالرغم مِن أنَّ الآية لا تصرّح بهذا الأمر، إِلاّ أن هُناك قرائن مُختلفة ترجح هذا التّفسير.
ثمّ تقول الآية (نافلة لك) أي برنامج إِضافي علاوة على الفرائض اليومية.
وهذا التعبير اعتبرهُ الكثير بأنَّهُ دليل على وجوب صلاة الليل على الرّسول(ص)، حيث أنَّ هذه (النافلة) والتي هي بمعنى (زيادة في الفريضة) تخصك أنت دون غيرك يا رسول الله(ص).
أمّا البعض الآخر فيعتقد بأنَّ صلاة الليل كانت بالأصل واجبة على الرّسول(ص) بقرينة آيات سورة المزمِّل، إِلاَّ أنَّ هذه الآية نسخت الوجوب وأبدلته بالإِستحباب.
ولكن هذا التّفسير ضعيف، لأنَّ النافلة لم تكن تعني (الصلاة المستحبّة) كما نُسميها اليوم، بل تعني الزيادة والإِضافة، ونعلم أنَّ صلاة الليل كانت واجبة على الرّسول(ص)، لذلك فهي إِضافية على الفرائض اليومية.
على أيةِ حال في ختام الآية تتوضح نتيجة هذا البرنامج الإِلهي الروحاني الرفيع حيث تقول: (عسى أن يبعثك ربّك مقاماً محموداً).
ولا ريب فإِنَّ المقام المحمود هو مقام مرتفع جدّاً يستثير الحمد، حيث أن (محمود) مأخوذة مِن (الحمد).
وبما أنَّ هذه الكلمة وردت بشكل مطلق، لذا فقد تكون إِشارة إِلى أنَّ حمد الأوّلين والآخرين يشملك.
الرّوايات الإِسلامية الواردة عن طريق أهل البيت(عليهم السلام) أو عن طريق أهل السنة، تشير إِلى أنَّ المقام المحمود هو مقام الشفاعة الكبرى.
فالنّبي(ص) هو أكبر الشفعاء في ذلك العالم، وشفاعته تشمل الذين يستحقونها.
﴿وَمِنَ اللَّيْلِ﴾ بعضه ﴿فَتَهَجَّدْ بِهِ﴾ فدع الهجود للصلاة بالقرآن ﴿نَافِلَةً لَّكَ﴾ خاصة زيادة على الفرائض أو فضيلة لك تخصك ﴿عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ﴾ يقيلك في الآخرة ﴿مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ يحمدك فيه الأولون والآخرون وهو مقام شفاعة.