وفي آخر آية من الآيات مورد البحث والتي هي آخر آية من الآيات المتعلّقة بالطّلاق تقول: (كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلّكم تعقلون).
ومن البديهي أنّ المراد من التفكّر والتعقّل هو ما يتعقّبه التحرّك نحو العمل، وإلاَّ فإنّ التفكّر والتعقّل لوحده في الأحكام والآيات لا يُثمر نتيجة، ويتبيّن من دراسة الآيات والأحاديث الإسلاميّة أن لفظة "العقل" تستعمل غالباً عند ايراد التعبير عن امتزاج الإدراك والفهم مع العواطف والأحاسيس ثمّ يستتبع ذلك العمل.
فعندما يتحدّث القرآن في مواضع كثيرة عن معرفة الله مثلاً يشير إلى نماذج من نظام هذا الكون العجيب، ثمّ يقول إننا نبين هذه الآيات (لعلّكم تعقلون).
وهذا لا يعني أنّ القصد هو ملء الأدمغة ببعض المعلومات عن نظام الطبيعة، إذ أنّ العلوم الطبيعية إذا لم تبعث في القلب والعواطف حركة نحو معرفة الله وحبّه والإنشداد به فلا ارتباط لها بقضايا التوحيد.
وهكذا المعارف العلمية لا تكون تعقّلاً إلاَّ إذا اقترنت بالعمل.
صاحب تفسير الميزان(5) يؤيّد هذا الإتجاه في فهم معنى التعقّل، ويرى أنّه الذي يدفع الإنسان بعد الفهم والإدراك إلى مرحلة العمل، والدليل على ذلك قوله تعالى: (لو كنّا نَسمعُ أو نَعقِلُ ما كنّا في أصحاب السعير)(6).
وقوله سبحانه (أفلم يَسيروا في الأرضِ فتكونَ لهم قلوبٌ يعقلون بها)(7)فالتعقّل الذي يتحدّث عنه المجرمون يوم القيامة هو ذلك الذي يرافقه العمل، وهكذا التعقّل الناتج عن السير في الأرض والتفكير في خلق الله إنّما هو المعرفة التي تحمل الإنسان على تغيّر مسير حياته والإتجاه إلى الصراط المستقيم.
وبعبارة اُخرى أنّ التفكّر والتعقّل والتدبّر إذا كان متعمّقاً ومتجذّراً في روح الإنسان فلا يمكن أن يكون عديم الآثار في دائرة الواقع العملي، فكيف يمكن أن يقطع الإنسان ويعتقد جازماً بمسموميّة الغذاء ثمّ يتناوله؟! أو يعتقد جزماً بتأثير الدّواء الفلاني على معالجة أحد الأمراض الخطرة التي يعاني منها ثمّ لا يتناوله!!
﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ﴾ دلائله وأحكامه ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾.