لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وحيث أنّهم كانوا يصرخون ويصّرون على أن لا يكون النّبي مِن البشر حسداً مِن عند أنفسهم وجهلا وضلالا، وقد منعهم هذا الحسد والجهل مِن التصديق بإِمكانية أن يُعطي الله كل هذه المواهب لإِنسان، لذا فإِنَّ الخالق جلَّوعلا يُخاطبهم بقوله: (قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربّي إِذاً لأمسكتم خشية الإِنفاق). ثمّ يقول: (وكانَ الإِنسان قتوراً). "قتور" مِن "قَتَرَ" على وزن "قتل" وهي تعني الإِمساك في الصرف، وبما أنَّ (قتور) صيغة مُبالغة فإِنّها تعني شدّة الإِمساك وضيق النظر. ملاحظات 1 - المعاد الجسماني الآيات أعلاه مِن أوضح الآيات المرتبطة بإِثبات المعاد الجسماني، فالمشركين كانوا يعجبون مِن إِمكانية عودة الحياة إِلى العظام النخرة، والقرآن يجيبهم بأنَّ القادر على خلق السماوات والأرض، لديه القدرة على جمع الأجزاء المُتناثرة للإِنسان وأن يهبها الحياة مرّة أُخرى. ولا ندري كيف ينكر بعض من يدعي الإِسلام قضية المعاد الجسماني، ويقتصرون في إِيمانهم على المعاد الروحي برغم الدلالات الواضحة لهذه الآيات وغيرها؟ كما إِنَّ الإِستدلال بالقدرة الكلية للخالق عزَّوجلّ في إِثبات المعاد، هو واحد مِن الأدلة التي يذكرها القرآن مراراً ويعتمد عليها كثيراً. ويظهر مِثل هذا النمط مِن الإِستدلال بالقدرة الكلية على المعاد في الآية الأخيرة مِن سورة (يس) والتي تتضمّن عدَّة أدلة لإِثبات المعاد الجسماني(1). 2 - أيّ الآيات؟ هُناك احتمالات عديدة في أنَّ الغرض مِن هذه (الآيات) في جملة (كفروا بآياتنا) هي آيات التوحيد أو أدلة النّبوة، أو الآيات المرتبطة بالمعاد. ولكن وقوع الجملة في بحث المعاد، ترجح اعتقادنا بأنّها إِشارة إِلى آيات المعاد، وهي في الحقيقة مقدمة للردّ على مُنكري المعاد. 3 - ما هو الغرض مِن "مثلهم"؟ إِنّنا نعرف أنَّ الله - بسبب قدرته العظيمة - قادر في يوم القيامة على إِرجاع الناس، في حين أنّنا نقرأ في الآيات أعلاه أنَّهُ يستطيع أن يخلق مِثلهم. وقد يكون هذا التعبير مدعاةً لإِشتباه أو استفسار البعض عمّا إِذا كانَ الناس الذين يَردون القيامة هم ليسوا هؤلاء الناس أنفسهم؟ بعض المفسّرين يرى أن الغرض مِن (مثل) هنا هو (عين) ففي بعض الأحيان نقول (مثلك يجب ألاَّ يقوم بهذا العمل) إِلاَّ أنّنا نقصد أنّك أنت الذي يجب أن لا تقوم بهذا العمل، لكن هذا التّفسير بعيد، لأنَّ مِثل هذه التعابير لها محل آخر لا يتناسب مَع ما نبحثه الآن. الظاهر أنَّ الغرض مِن استخدام تعبير (مثل) في هذه الآية هو إِعادة الحياة. فإِعادة الخلق مرّة ثانية لا تكون حتماً كالمرّة الأُولى، حيث هُناك على الأقل زمان آخر وظروف أُخرى، وصورة جديدة بالرغم مِن أنَّ المادة هي نفس المادة القديمة. وكمثال لذلك إِذا جمعنا اجزاء متناثرة لقطعة من الآجر ووضعناها في قالبها القديم، فإِنّنا لا نستطيع أن نقول عن الآجر الجديد أنّه نفس قطعة الآجر القديمة، بالرغم مِن أنَّهُ ليس إِلاَّ الطين السابق. بل نقول: إِنَّهُ مِثله. وهذا دليل على التعابير المختارة والمنتخبة في القرآن الكريم. ومِن المُسَلَّم بهِ أنَّ روح الإِنسان تُحدِّد شخصيته، ونحن نعلم أنَّ الروح الأُولى هي التي عند البعث، إِلاَّ أنَّ المعاد الجسماني يقول لنا: إِنَّ الروح ستكون مع نفس المادة الأُولى، يعني أنَّ تلك المادة المتلاشية ستتجمَّع مرّة أُخرى وتندمج مع روحها، وفي موضوع المعاد أثبتنا أن روح الإِنسان بعد أن تتخذ شكلا معيناً لا يمكنها أن تنسجم مع غير جسدها الأصلي الذي تربت وعاشت معهُ. وهذا هو السر في البعث الروحي والجسدي معاً. 4 - ما هو (الأجل)؟ إِنَّ (الأجل) هو نهاية العمر. ولكن هل (الأجل) في هذه الآيات إِشارة إِلى نهاية العمر ... أو هو إِشارة إِلى نهاية عُمر الدنيا وبداية البعث؟ وبما أنَّ الحديث يدور حول المعاد، لذا فإِنَّ المعنى الثّاني أكثر صحة. وأمّا ما قالهُ بعض المفسّرين الكبار مِن أنَّ هذا الكلام لا يتناسب مع جملة (لا ريب فيه)لأنّ مُنكري المعاد كانوا يشكّون حتماً في قضية المعاد. فإِنَّ ذلك غير صحيح، لأنَّ مفهوم مثل هذا التعبير هو أنَّهُ يجب أن لا نسمح للشك بأنّ يدخل إِلى أنفسنا نحن، لا أنَّ أحداً لا يشك بذلك! لذا فإِنَّ المفهوم الكلي للآية يصبح على هذه الصورة. إِنَّ الله الذي خلق السماوات والأرض يستطيع - حتماً - أن يعيد الحياة لهؤلاء البشر، أمّا إِذا لم يحدث هذا الأمر بسرعة، فذلك بسبب أنَّ السنة الإِلهية لها أجلٌ محدود وحتمي بحيث لا مجال للشك فيها. وتصبح النتيجة: إِنَّ الدليل القاطع في قبال مُنكري المعاد هي هذه القدرة، وأمّا قوله: (جعل لهم أجلا لا ريب فيه) فهو جواب على سؤال حول سبب تأخير القيامة. (فدقق في ذلك). 5 - الترابط بين الآيات عند مطالعة هذه الآيات يُثار سؤال حولَ كيفية الإِرتباط والصلة بين كلمة (قتوراً) التي هي بمعنى (بخيل) الواردة في آخر الآية، وبين ما نبحثُه؟ بعض المفسّرين قالوا: إِنَّ هذه الجملة إِشارة إِلى موضوع طُرِحَ قبل عِدَّة آيات مِن قبل عبدة الأصنام، فقد طلبوا مِن الرّسول(ص) أن يملأ أرض مكّة بالعيون والبساتين. أمّا القرآن فيقول في جواب هؤلاء: (قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربّي إِذاً ...). إِلاَّ أنَّ هذا التّفسير مُستبعد لأنَّ كلام المشركين لم يكن عن مالكية هذه العيون والبساتين، بل إِنّهم طالبوا الرّسول(ص) بأصل هذا العمل والذي يعتبر عملا إِعجازياً. التّفسير الآخر الذي ذُكِرَ في بيان الصلة وهو أفضل مِن التّفسير الأوّل، هو أنّهم - بسبب بخلهم وضيق أنفسهم - كانوا يتعجبون مِن منح هذه الموهبة (النّبوة) للإِنسان، وهذه الآية بمثابة ردّ عليهم حيثُ تقول لهم: إِن بُخلكم بلغ درجة بحيث أنّكم لو ملكتم جميع الدنيا فسوف لا تتركون صفاتكم السيئة والقبيحة هذه. 6 - هل أن جميع البشر بُخلاء؟ لقد قُلنا - لمرّات عديدة - إِنَّ القرآن يذكر الإِنسان بشكل عام، ويلومه بأنواع اللوم، ويصفهُ بصفات كالبخل والجهل... والعجول والظلوم وما شابهها. إِنَّ هذه التعابير لا تتنافى مع كونِ المؤمنين والصالحين يتحلّون بضد هذه الصفات، حيث يُشير التعبير إِلى أنَّ الطبيعة الآدمية هي هكذا، وإِذا لم يخضع الإِنسان لتربية القادة الإِلهيين،، وتُرك لشأنه كالنباتات المتروكة فسيكون مستعداً للإِتصاف بهذه الصفات السيئة. وهذا لا يعني أنَّ ذاته خُلقت هكذا، أو أنَّ عاقبة الجميع كذلك(2). 7 - استخدام تعبير (خشية الإِنفاق) يعني الخوف مِن الفقر، ذلك الفقر الذي يكون سببهُ كثرة الإِنفاق، كما يظنون. ﴿قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي﴾ رزقه وسائر نعمه ﴿إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ﴾ بخلا ﴿خَشْيَةَ الإِنفَاقِ﴾ خوف النفاد بالإنفاق ﴿وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا﴾ بخيلا.