إِنّ تكرار جملة (يخرون للأذقان) دليل على التأكيد، وعلى الإِستمرار أيضاً.
الفعل المضارع (يبكون) دليل على استمرار البكاء بسبب حبّهم وعشقهم لخالقهم.
واستخدام الفعل المضارع في جملة (يزيدهم خشوعاً) دليل على أنّهم لا يتوقفون أبداً على حالة واحدة، بل يتوجهون باستمرار نحو ذروة التكامل، وخشوعهم دائماً في زيادة (الخشوع هو حالة مِن التواضع والأدب الجسدي والروحي للإِنسان في مقابل شخصية معينة أو حقيقة معينة).
بحثان
1 - التخطيط للتربية والتعلم
مِن الدروس المهمّة التي نستفيدها مِن الآيات أعلاه، هو ضرورة التخطيط لأي ثورة أو نهضة ثقافية أو فكرية أو اجتماعية أو تربوية، فإِذا لم يتمّ تنظيم مثل هذا البرنامج فالفشل سيكون النتيجة الحتمية لمثل هذه الجهود.
إِنَّ القرآن الكريم لم ينزل على رسول الله(ص) مرّة واحدة بالرغم مِن أنَّهُ كان موجوداً في مخزون علم الله كاملا، وقد تمَّ عرضه في ليلة القدر على رسول الله(ص) دفعة واحدة، إِلاَّ أنَّ النّزول التدريجي استمرّ طوال (23) سنة، وضمن مراحل زمنية مُختلفة وفي إِطار برنامج عملي دَقيق.
وعندما يقوم الخالق جلَّوعلا بهذا العمل بالرغم مِن عمله وقدرته المطلقة وغير المُتناهية ... عند ذلك سيتّضح دورنا وتكليفنا نحنُ إِزاء هذا المبدأ.
وعادة ما يكون هذا قانوناً وتكليفاً إِلهياً، حيثُ أنَّ وجوده العيني لا يختص بعالم التشريع
وحسب، بل في عالم التكوين أيضاً.
إِنَّهُ مِن غير المتوقع أن تنصلح أُمور مجتمع في مرحلة البناء خلال ليلة واحدة لأنّ البناء الحضاري الفكري والثقافي والإِقتصادي والسياسي يحتاج إِلى المزيد مِن الوقت.
وهذا الكلام يعني أنّنا إِذا لم نصل إِلى النتيجة المطلوبة في وقت قصير فعلينا أن لا نيأس ونترك بذل الجهد أو المُثابرة.
وينبغي أن نلتفت إِلى أنَّ الإِنتصارات النهائية والكاملة تكون عادةً لأصحاب النفس الطويل.
2 - علاقة العلم بالإِيمان
الموضوع الآخر الذي يُمكن أن نستفيدهُ مِن الآيات أعلاه هو علاقة العلم بالإِيمان، إِذ تقول الآيات: إِنّكم سواء آمنتم بالله أو لم تؤمنوا فإِنَّ العلماء سيؤمنون بالله إِلى درجة أنّهم يعشقون الخالق ويسقطون أرضاً ساجدين مِن شدّة الوله والحبّ، وتجري الدّموع مِن أعينهم، وإِنّ هذا الخشوع والتأدُّب يتصف بالإِستمرار في كل عصر وزمان.
إِنَّ الجهلة - فقط - هم الذين لا يُعيرون أهمية للحقائق ويواجهونها بالإِستهزاء والسخرية، وإِذا أثَّر فيهم الإيمان في بعض الأحيان فإِنَّهُ سيكون تأثيراً ضعيفاً خالياً مِن الحبّ والحرارة.
إضافة إِلى ذلك، فإِنِّ في الآية ما يؤكّد خطأ وخطل النظرية التي تربط بين الدين والجهل أو الخوف مِن المجهول.
أمّا القرآن فإِنَّهُ يؤكّد على عكس ذلك تماماً، إِذ يقول في مواقع مُتعدِّدة: إِنَّ العلم والإِيمان توأمان، إِذ لا يمكن أن يكون هُناك إِيمان عميق ثابت مِن دون علم، والعلم في مراحله المُتقدمة يحتاج إِلى الإِيمان.
(فدقق في ذلك).
﴿وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ﴾ كرر إيذانا بتكرير الفعل منهم ولتقييد الثاني بالحال وهي ﴿يَبْكُونَ﴾ من خوف الله ﴿وَيَزِيدُهُمْ﴾ القرآن ﴿خُشُوعًا﴾ لين قلب وتواضع لله تعالى.