لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
أسباب النّزول لقد أوردَ المفسّرون قصّة لسبب نزول الآيات خلاصتها أنَّ سادة قريش اجتمعوا ليبحثوا في أمر رسول الله(ص) وقرروا إِرسال اثنين منهم إِلى أحبار اليهود في المدينة، والاثنان هما النضر بن الحرث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط. قالَ زعماء قريش لُهؤلاء: سلوا أحبار اليهود عن محمّد وصفا لهُ صفته، وخبراهم بقوله فإِنّهم أهل الكتاب الأوّل وعندهم مِن علم الأنبياء ما ليسَ عندنا. فخرجا حتى قَدِما المدينة. فسألا أحبار اليهود عن النّبي(ص) وقالا لهم ما قالت قريش. فقالَ لهما أحبار اليهود: اسألوه عن ثلاث فإِن أخبركم بهن فهو نبي مُرسل، وإِن لم يفعل فهو رجل مُتقوّل فروا فيه أريكم. سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأوّل ما كانَ مِن أمرهم، فإِنَّهُ قد كان لهم حديث عجيب. وسلوه عن رجل طوّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه. وسلوه عن الروح ما هو. وفي رواية أُخرى قالوا: فإِن أخبركم عن اثنتين ولم يخبركم بالروح فهو نبي. فانصرفا إِلى مكّة فقالا: يا معشر قريش، قد جئناكم بفصلِ ما بينكم وبين محمّد. وقصّا عليهم القصة. فجاؤوا إِلى النّبي(ص) فسألوه. فقال(ص): أخبركم بما سألتم غداً ولم يستثن - أي لم يقل إِن الله - فانصرفوا عنهُ، ومكث(ص) خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحياً، ولا يأتيه جبرائيل حتى أرجف أهل مكّة وتكلموا في ذلك. فشق على رسول الله(ص) ما يتكلم به أهل مكّة، ثمّ جاءه جبرائيل(ع)عن الله بسورة الكهف، وفيها ما سألوه عنهُ من أمر الفتية والرجل الطوّاف. وأنزل عليه آية (ويسألونك عن الروح). وقد سأل رسول الله(ص) جبرائيل حين جاءه: "لقد احتبست عنّي يا جبرائيل" فقال لهُ جبرائيل(ع) (وما نتنزَّل إِلاَّ بأمر ربّك لهُ ما بين أيدينا) الآية. (مِن الجدير بالذكر هُنا أنَّ سورة الكهف تضمنت الجواب على سؤالين مِن الأسئلة الثلاثة. إِلاَّ أنَّ الآية التي تتحدث عن الروح قد مرّت علينا في سورة لإِسراء. وهذا أمرٌ لا يندر حدوثه في القرآن، إِذ تنزل آية في مُناسبة معينة، ثمّ توضع بأمر الرّسول(ص) في سورة أُخرى). التّفسير بداية قصّة أصحاب الكهف في الآيات السابقة كانت هُناك صورة للحياة الدينا، وكيفية اختبار الناس فيها، ومسير حياتهم عليها، ولأنَّ القرآن غالباً ما يقوم بضرب الأمثلة للقضايا الحسَّاسة، أو أنَّهُ يذكر نماذج مِن التأريخ لتجسيد الوعي بالقضية، لذا قام في هذه السورة بتوضيح قصّة أصحاب الكهف، وعبرَّت عنهم الآيات بأنّهم (أنموذج) أو (أسوة). إِنّهم مجموعة من الفتية الأذكياء المؤمنين، الذين كانوا يعيشون في ظل حياة مُترفة بالزّينة وأنواع النعم، إِلاَّ أنّهم انسلخوا مِن كل ذلك لأجل حفظ عقيدتهم وللصراع ضدَّ الطاغوت; طاغوت زمانهم، وذهبوا إِلى غار خال مِن جميع أشكال الزّينة والنعم، وقد أثبتوا بهذا المسلك أمر استقامتهم في سبيل الإِيمان والثبات عليه. المُلفت للنظر أنَّ القرآن ذكر في البداية قصّة هذه المجموعة مِن الفتية بشكل مجمل، مُوظفاً بذلك أحد أُصول فن الفصاحة والبلاغة، وذلك لِتهيئة أذهان المستمعين ضمن أربع آيات، ثمّ بعد ذلك ذكر التفاصيل في (14) آية. في البداية يقول تعالى: (أم حسبت أنَّ أصحاب الكهف والرقيم كانوا مِن آياتنا عجباً). إِنَّ لنا آيات أكثر عجباً في السموات والأرض، وإِن كل واحد منها نموذج لعظمة الخالق جلَّ وعلا، وفي حياتكم - أيضاً - أسرار عجبية تُعتبر كل واحدة مِنها علامة على صدق دعوتك، وفي كتابك السماوي الكبير هذه آيات عجيبة كثيرة، وبالطبع فإِنَّ قصّة أصحاب الكهف ليست بأعجب مِنها. أمّا لماذا سميت هذه المجموعة بأصحاب الكهف؟ فذلك يعود إِلى لجوئهم إِلى الغار كي يُنقذوا أنفسهم، كما سيأتي ذلك لاحقاً إِن شاء الله. أمّا "الرقيم" ففي الأصل مأخودة مِن (رقم) وتعني الكتابة(1)، وحسب اعتقاد أغلب المفسّرين فإِنَّ هذا هو اسم ثان لأصحاب الكهف، لأنَّهُ في النهاية تمت كتابة أسمائهم على لوحة وُضعت على باب الغار. البعض يرى أنَّ "الرقيم" اسم الجبل الذي كان فيه الغار. والبعض الآخر اعتبر ذلك إسماً للمنطقة التي كان الجبل يقع فيها. أمّا بعضهم فقد اعتبر ذلك إسماً للمدينة التي خرجَ مِنها أصحاب الكهف، إِلاَّ أنَّ المعنى الأوّل أكثر صحة كما يظهر. أمّا ما احتملهُ البعض مِن أنَّ أصحاب الرقيم هم مجموعة أُخرى غير أصحاب الكهف، وتنقل بعض المرويات قصّة تختص بهم، فالظاهر أنَّ هذا الرّاي لا يتناسب مع الآية، لأنَّ ظاهر الآية يدل على أنَّ أصحاب الكهف والرقيم كانوا مجموعة واحدة، لذلك وبعد ذكر العنوانين تذكر السورة قصّة أصحاب الكهف ولا تذكر غيرهم. وهذا بنفسه دليل على الوحدة. وفي الرّوايات المعروفة الواردة في تفسير نور الثقلين في ذيل الحديث عن الآية، نرى أنَّ الأشخاص الثلاثة الذين دخلوا الغار قد دعوا الله بأخلص ما عملوه لوجهه تعالى أن يُنجيهم مِن محنتهم، ولكن هذه الرّوايات لا تتحدث عن أصحاب الرقيم بالرغم مِن أنَّ بعض كُتب التّفسير قد تعرَّضت لهم. على أية حال يجب أن لا نتردَّد في أنَّ هاتين المجموعتين (أصحاب الكهف والرقيم) هم مجموعة واحدة، وأنَّ سبب نزول الآيات يعضد هذه الحقيقة. ﴿أَمْ﴾ بل ﴿حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ﴾ هم فتية هربوا من ملكهم إلى كهف وكان جبارا عاتيا ﴿وَالرَّقِيمِ﴾ هو لوح من رصاص رقم فيه حديثهم وأسماؤهم أو اسم الوادي أو الجبل الذي فيه كهفهم أو قريتهم ﴿كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا﴾ أي ما كانوا عجبا فإن خلق السموات والأرض وما فيهن أعجب.