(ثمّ بعثناهم لِنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً).
ملاحظات
1 - جملة (أوى الفتية) مِن مادة (مأوى) وتعني المكان الآمن، وهو إِشارة إِلى أنَّ هؤلاء الفتية الهاربين مِن بيئتهم الفاسدة المنحرفة قد أحسّوا بالأمن عندما وصلوا إِلى الغار.
2 - (فتية) جمع (فتى) وهو الشاب الحدث، ولكنها تطلق أحياناً على الأشخاص الكبار والمسنين الذين يملكون روحية شابَّة، وقد ذُكرت هذه الكلمة مَع نوع مِن الإِشادة والمدح لأصحاب الكهف بسبب صفات الفتوة والشهامة والتسليم في مقابل الحق.
والشاهد على هذا الكلام ما نُقل عن الإِمام الصادق في أصحاب الكهف إِذ قال: "أمّا علمت أنَّ أصحاب الكهف كانوا كُلّهم كهولا فسمّاهم الله فتية بإِيمانهم".
بعد ذلك أضاف الإِمام الصادق في معنى الفتوة قولهُ(ع): "مَن آمن بالله واتقى فهو الفتى"(2).
وقد نقل عن الإِمام الصادق ما يشبه هذا الحديث في (روضة الكافي)(3)أيضاً.
3 - استخدام تعبير (مِن لدنك رحمة) إِشارة إِلى أنَّ هؤلاء الفتية عندما لجأوا إِلى الغار تركوا جميع الوسائل والأسباب الظاهرية، وكانوا لا يأملون سوى رحمة الله.
4 - جملة (ضربنا على آذانهم) كناية لطيفة عن (التنويم)، كأنّما يُوضع ستار على أذُن الشخص بحيث لا يسمع أي شيء، وهو ستار النوم.
ولهذا فإِنَّ النوم الحقيقي هو النوم الذي يطغى على السمع، وكذلك إِذا أردنا أن نوقظ شخصاً مِن نومه، فإنّنا نصيح به ونناديه حتى ينفذ الصوت إِلى مسامعه.
5 - إنَّ استخدام تعبير (سنين عدداً) إِشارة إِلى أنَّ نومهم قد استمرَّ لعدّة سنين كما سيأتي تفسير ذلك في الآيات القادمة إِن شاء الله تعالى.
6 - إِنّ استخدام تعبير (بعثناهم) لِيقظتهم مِن النوم، قد يكون لأنّ نومهم أصبح مِن الطول بمقدار بحيث كانوا كالموتى.
فيقظتهم مِن النوم كبعثهم إِلى الحياة مرّة أُخرى.
7 - جملة (لنعلم ... ) لا تعني أنّ الله يريد أن يعلم شيئاً جديداً.
ويكثُر استخدام هذا التعبير في القرآن، والغرض مِنهُ هو تحقق العلم الإِلهي، بمعنى نحنُ أيقظناهُم مِن المنام حتى يتحقق هذا المعنى، أى حتى يسأل كل واحد الآخر عن مقدار نومهم.
8 - عبارة (أي الحزبين) إِشارة لما سنتحدث عنه أثناء تفسير الآيات اللاحقة، حيث أنّهم بعد يقظتهم اختلفوا في مقدار نومهم، فالبعض قال: يوماً، والبعض الآخر قالَ: نصف يوم، في حين أنّهم كانوا نائمين لسنين طويلة.
أمّا قول البعض بأنَّ هذا التعبير هو شاهد على أنَّ أصحاب الكهف هم غير أصحاب الرقيم، فهذا كلام بعيدٌ للغاية ولا يحتاج لمزيد توضيح(4).
﴿ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ﴾ أيقظناهم ﴿لِنَعْلَمَ﴾ ليظهر معلومنا أو لنعلم واقعا ما علمنا أنه سيقع ﴿أَيُّ الْحِزْبَيْنِ﴾ المختلفين في مدة لبثهم من الكتابيين والمؤمنين ﴿أَحْصَى﴾ فعل ماض أي ضبط ﴿لِمَا لَبِثُوا﴾ للبثهم حال من المفعول وهو ﴿أَمَدًا﴾ غاية.