لذا يقول القرآن بعد البحث السابق: (وربطنا على قلوبهم إِذ قاموا فقالوا ربّنا ربّ السماوات والأرض لن ندعو مِن دونه إِلهاً).
فإِذا عبدنا غيره: (لقد قُلنا إِذاً شططاً).
نستفيد مِن تعبير (ربطنا على قلوبهم) أنَّ بذرة التوحيد وفكرته كانت مُنذ البداية مرتكزة في قلوبهم، إِلاَّ أنّهم لم تكن لديهم القدرة على إِظهارها والتجاهر بها.
ولكن الله بتقوية قلوبهم أعطاهم القدرة على أن ينهضوا ويعلنوا علانية نداء التوحيد.
وليس مِن الواضح فيما إِذا كانَ هذا الإِعلان قد تمَّ أوّلا أمام ملك زمانهم الظالم (دقيانوس) أو أنَّهُ تمَّ أمام الناس، أو أمام الاثنين معاً (الحاكم الظالم والناس) أو أنّهم تجاهروا به فيما بينهم أنفسهم؟
لكن يظهر مِن كلمة (قاموا) أنَّ إِعلانهم كان وسط الناس، أو أمام السلطان الظالم.
(شطط) على وزن (وسط) تعني الخروج عن الحد والإِفراط في الإِبتعاد لذا فإِنَّ (شطط) تُقال للكلام البعيد عن الحق، و يقال لحواشي وضفاف الأنهار الكبيرة (شط) لكونها بعيدة عن الماء، وكونها ذات جدران مُرتفعة.
وفي الواقع، إِنَّ هؤلاء الفتية المؤمنين ذكروا دليلا واضحاً لإِثبات التوحيد ونفي الآلهة.
وهو قولهم: إِنّنا نرى وبوضوح أنَّ لهذه السماوات والأرض خالقاً واحداً، وأنَّ نظام الخلق دليل على وجوده، وما نحنُ إِلاَّ جزء مِن هذا الوجود، لذا فإِنَّ ربّنا هو نفسهُ ربّ السماوات والأرض.
﴿وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ قويناها بالألطاف فأظهروا الحق وصبروا على المشاق ﴿إِذْ قَامُوا﴾ بين يدي دقيانوس أو خلف المدينة ﴿فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا﴾ قولا ذا شطط أي بعد مفرط عن الحق أن دعونا إلها غيره.