لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
(أُولئك لهم جنات عدن) (الجنات الخالدة). (تجري مِن تحتهم الأنهار) (من تحت الأشجار والقصور). (يُحلون فيها مَن أساور مِن ذهب)(7). (ويلبسون ثياناً خضراً مِن سندس وإستبرق) (من حرير ناعم وسميك). (مُتكئين فيها على الأرائك)(8). (نعم الثواب). (وحسنت مُرتفقاً) (وحسنت مجمعاً للاحبّة). بحوث 1 - الرّوح الطبقية مُشكلة اجتماعية كبيرة ليست الآيات الآنفة الذكر - وحدها - تحارب تقسيم المجتمع إلى مجموعتين مِن الأغنياء والفقرء، بل إِنّنا نجد الكثير مِن الآيات القرآنية الأُخرى، ممّا ذكرنا سابقاً أو سنذكرها لاحقاً، تؤكّد جمعها على هذا الموضوع. إنَّ المجتمع الذي تكون فيه مجموعة (وهي أقلية في الغالب) مُرفهة وغارقة في الإِسراف والتبذير وملوَّثة بأنواع المفاسد، سيكون في مقابل هؤلاء مجموعة أُخرى، هم الأكثرية التي لا تملك أبسط وسائل الحياة الإِنسانية. ومثل هذا المجتمع يرفضه الإِسلام وليسَ مجتمعاً إِنسانياً. مثل هذا المجتمع سوف لا يرى الإِستقرار أبداً، وسوف يلقي الإِستعمار والإِستكبار وأشكال الظلم والعبودية بضلال عليه. وغالباً ما تقوم الحروب الدامية في مثل هذه المجتمعات ولا تنتهي الإِضطربات فيها أبداً. ومِن الطبيعي أن يتساءل المرء عن أسباب تُكدُّس النعم الإِلهية بيد حفنة معدودة مِن الناس وبدون سبب، بينما الأكثرية تعيش الفقر والألم والعذاب والمرض؟ إِنَّ مثل هذا المجتمع يكون مملوءاً - حتماً - بالكراهية والحسد والكبر والعداء والغرور والظلم والتكُّبر، وكل عوامل الفساد الأُخرى. ولو دَققنا النظر في تأريخ النّبوات لرأينا أنّ الأنبياء(عليهم السلام) بأجمعهم، وخصوصاً رسول الإِسلام(ص) واجهوا هذا النظام المنحرف والظالم ورموزه مِن الأغنياء الظالمين مِن أجل تأمين عوامل الإِستقرار داخل المجتمع. في مثل هذه المجتمعات الطبقية تكون جلسات واجتماعات المترفين مُنفصلة عن مجالس الفقراء، وأماكنهم، وكذا الحال بالنسبة لمراكز الترفيه وما إلى ذلك. (هذا إذا كان الفقراء يملكون في الأصل مراكز للترفيه). ثمّ إنَّ العادات والتقاليد تختلف بين المجموعتين تماماً. إنَّ هذا الإِنفصال المجافي للروح الإنسانية، وروح كل القوانين السماوية، لن يتحملها أي رجل إلهي. وقد كان مثل هذا الوضع حاكماً بشدَّة في المجتمع العربي الجاهلي، حتى كان هؤلاء يعتبرون التفاف الفقراء مِن أمثال سلمان وأبو ذر حول رسول الله(ص) مِن أكبر العيوب (!!) ولكن لم يعلم هؤلاء الأغنياء أن قلوب الفقراء هؤلاء مملوءة بحب الله والإِيمان وبصفات الشهامة والإثيار. في المجتمع الجاهلي الذي عاصر النّبي المصلح نوح(ع)، قال المترفون مِن الملأ عبيد الدنيا مخاطبين نوحاً(ع): لماذا اتبعك الذين هم أراذلُنا (على حدِّ قولهم) ولقد حكى القرآن اعتراضهم هذا في الآية (27) مِن سورة هود في قوله تعالى: (فقال الملأ الذين كفروا مِن قومه ما نراك إلاَّ بشراً مثلنا وما نراك اتبعك إلاَّ الذين هم أراذلنا). وهكذا نرى أنَّ عبيد الدنيا وأتباع الهوى هؤلاء يرفضون الجلوس - حتى للحظات - قرب الفقراء المؤمنين! ولاحظنا - أيضاً - كيف أن رسول الإسلام(ص) بطرده للمجموعة الأُولى(الأغناء المترفين) وتقريبه للمجموعة الثّانية (الفقراء المؤمنين) شكَّل مجتمعاً توحيدياً بمعنى الكلمة، مجتمعاً تفجَّرت فيه الطاقات الكامنة، وأصبحت فيه معايير الشخصية والقيم والنبوغ، هي التقوى والعلم والإِيمان والجهاد والعمل الصالح. واليوم ما لم نسعَ لبناء مِثل هذا المجتمع والإقتداء بالنموذج الإِسلامي الذي شيَّدَهُ رسول الله(ص) في عهده، وبدون نبذ الفكر الطبقي مِن العقول عن طريق التعليم والتربية وتدوين القوانين الصحيحة والسهر على تنفيذها بدقّة - بالرغم مِن رفض الإِستكبار العالمي وتعويقه لذلك - فسوف لن نملك مجتمعاً إِنسانياً سليماً أبداً. 2 - المقارنة بين الحياة في هذا العالم وعالم الآخرة: لقد قُلنا مراراً: إِنَّ تجسُّد الأعمال هو من أهم القضايا المرتبطة بالمعاد. يجب أن نعلم أنَّ ما هو موجود في ذلك العالم هو انعكاس واسع ومُتكامل لهذا العالم، فأعمالنا وأفكارنا وأساليبنا الإِجتماعية وصفاتنا الأخلاقية المختلفة سوف تتجسَّم وتتجسّد أمامنا في ذلك العالم وستبقى قرينة لنا دائماً. الآيات - أعلاه - دليل حي على هذه الحقيقة، فالمترفون الظالمون الذين كانوا يعيشون في هذه الدنيا في ظل سُرادق عالية، وكانوا سُكارى بهواهم، وسعوا إلى فصل كل شيء يخصّهم عن المؤمنين الفقراء، هؤلاء يملكون في ذلك العالم أيضاً (سُرادق) ولكنّها مِن النار الحارقة، لأنَّ الظلم في حقيقته نار حارقة تحرق الحياة وتذروا آمال المستضعفين المظلومين. هُناك يشربون من شراب يُجسِّد باطن شراب الدنيا، وهو بالنسبة للظالمين الطغاة شراب من دماء قلوب المحرومين، ومثل هذا الشراب يُقدَّم للظالمين في ذلك العالم، وهو لا يحرق أمعاءهم وأحشاءهم فحسب، بل يكون كالمعدن المذاب الذي يشوي الوجوه قبل شربه مِن شدَّة حرارته. وعلى العكس مِن ذلك أُولئك الذين تركوا الشهوات في سبيل حفظ طهارة وجودهم ورعاية أُصول العدالة، والذين اقتنعوا بحياة بسيطة، وتحمَّلوا كل الصعوبات والمنفصات في هذه الدنيا مِن أجل تنفيذ أُصول العدالة .. هؤلاء تنتظرهم هُناك بساتين الجنّة مع الأنهار الجارية، وأفضل أنواع الزينة وأفخر الألبسة، وأحبّ المجالس. وهذا في الواقع تجسيد لنياتهم النزيهة حيث كانوا يريدون كل الخير لجميع عباد الله. 3 - العلاقة بين عبادة الهوى والغفلة عن الله الروح الإِنسانية تخضع إِمّا لله تعالى أو للأهواء، حيثُ لا يمكن الجمع بين الإِثنين، فعبادة الأهواء أساس الغفلة عن الله وعبادة الله; عبادة الهوى هي سبب الإِبتعاد عن جميع الأُصول الأخلاقية; وأخيراً فإنَّ عبادة الهوى تُدْخل الإِنسان في ذاته وتبعده عن جميع حقائق العالم. إنَّ الإِنسان الذي يعبد هواه لا يفكِّر إلاَّ في إِشباع شهواته، ولا يوجد لديه معنى للفتوّة والعفو والإِثيار والتضحيه والشيم المعنوية الأُخرى. وقد اوضحت الآيات محل البحت الربط والعلاقة بين الإِثنين بشكل جلي في قوله تعالى: (ولا تُطع مَن أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فُرطا). لقد طرحت الآية أوّلا (الغفلة) عن الله تعالى، ثمّ ذكرت بعدها (أتباع الهوى)، والطريف أنّ نتيجة هذا الأمر هو الإِفراط وبالشكل المطلق الذي ذكرته الآية. لماذا يكون عابد الهوى مُصاباً بالإِفراط دائماً؟ قد يكون السبب أنَّ الطبيعة الإِنسانية تتجه في الملذات المادية نحو الزيادة دوماً، فالذي كان يشعر بالنشوة بمقدار معين مِن المخدرات، لا يكفيه نفس المقدار في اليوم التالي لبلوغ نفس درجة النشوة، بل عليه زيادة الكمية بالتدريج، والشخص الذي كان يكفيه في السابق قصر واحد مجهَّز بجميع الإِمكانات وبمساحه عدة آلاف بين الأمتار، يصبح اليوم إِحساسه بهذا القصر عادياً، فينشد الزيادة. وهكذا فى جميع مصاديق الهوى والشهوة حيث أنّها دائماً تنشد الزيادة حتى تهلك الإِنسان نفسه. 4 - ملابس الزينة في العالم الآخر قد يطرح البعض هذا السؤال: لقد ذمَّ الله تعالى الزينة والتزيُّن في القرآن بالنسبة لهذه الحياة، إِلاَّ أنَّهُ يعد المؤمنين بمثل هذه الأُمور في ذلك العالم، إِذ تنص الآيات على الذهب وملابس الحرير والإِستبرق والسرر المساند الجميلة؟ قبل الإِجابة على هذا السؤال ينبغي أن نوضَّح بأنّنا لا نوافق على توجيه هذه الكلمات على أنّها كناية عن مفاهيم معنوية ويفسِّرون الآيات على هذا الأساس، لقد تعلمنا مِن القرآن الكريم أنَّ المعاد ذو جانبين: معاد روحاني ومعاد جسماني. وعلى هذا الأساس، فإِنَّ لذات ذلك العالم يجب أن تكون موجودة في المجالين، واللذات الروحية - طبعاً - لا يمكن مقايستها باللذات الجسمية. ولكن لابدّ من الاعتراف بإنّنا لا نعرف مِن نعم ذلك العالم سوى أشباح بعيدة، ونسمع كلاماً يشير إِليها. لماذا؟ .. لأنّ نسبة ذلك العالم إلى عالمنا هذا كنسبة عالمنا إلى عالم الجنين في بطن الأُم، فإِذا قدَّر للأُم أن تقيم رابطة بينها وبين الجنين، فلا يسعها إِلاَّ أن توضح للجنين بالإِشارات جمال هذه الدنيا بشمسها الساطعة وقمرها المنير، والعيون الفوّارة، والبساتين والورود وما شابهها، حيثُ لا توجد ألفاظ كافية لتبيان كل هذه المفاهيم للجنين في رحم الأُم كي يفهمها ويستوعبها. كذلك فإِنَّ النعم المادية والمعنوية لعالم الآخرة لا يمكن توضيحها لنا بشكل كامل ونحن محاصرون في أبعاد رحم هذه الدنيا. ومع وضوح هذه المقدمة نجيب على السؤال ونقول: إن ذم الله عز اسمه لحياة الزينة والترف في هذه الدنيا يعود إلى أن محدودية هذا العالم تسبب أن تقترن الزينة والترف مع أنواع الظلم والإِنحراف الذي يكون بدوره سبباً للغفلة والإِنقطاع عن الله. إِنَّ الإِختلافات التي تبرز خلال هذا الطريق ستكون سبباً للحقد والحسد والعداوة والبغضاء، وأخيراً إِراقة الدماء والحروب. أمّا في ذلك العالم اللامحدود من جميع الجهات، فإِنَّ الحصول على هذه الزينة لا يُسبَّب مُشكلة ولا يكون سبباً للتمييز والحرمان، ولا للحقد والنفرة، ولا يبعد الإِنسان عن الله في ذلك المحيط المملوء بالمعنويات حيث لا حسد ولا تنافس ولا كبر ولا غرور تؤدي إِبتعاد خلق الله عن الله، كما في زينة الحياة الدنيا. فإِذا كان الحال كذلك فلماذا يُحرم أهل الجنة من هذه المواهب والعطايا الإِلهية التي هي لذّات جسمية إلى جانب كونها مواهب معنوية كبيرة! الدرس الآخر الذي 5 - الإِقتراب مِن الأثرياء بسبب ثروتهم: نتعلمهُ من الآيات الآنفة، هو أنَّهُ يجب علينا أن لا نمتنع عن إِرشاد وتوجيه هذه المجموعة - أو تلك - بسبب كونها ثرية أو ذات حياة مُرَّفهة، بل إِنَّ الشيء المذموم هو أن نذهب لهؤلاء لأجل ثروتهم ودنياهم المادية، ونصبح مصداقاً لقوله تعالى: (تريد زينة الحياة الدنيا) أمّا إِذا كان الهدف هو الهداية والإِرشاد، أو حتى الإِستفادة مِن إِمكانياتهم مِن أجل تنفيذ النشاطات الإِجابية والمهمّة إِجتماعياً، فانَّ مثل هذا الهدف لا يعتبر غير مذموم وحسب، بل هو واجب. ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ﴾ جمع أسورة وهي جمع سوار ﴿مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا﴾ وهي أبهى الألوان من ﴿سُندُسٍ﴾ ما رق من الديباج ﴿وَإِسْتَبْرَقٍ﴾ ما غلظ منه ﴿مِّن مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ كهيئة الملوك جمع أريكة وهي سرير في الحجلة وهي بيت زين للعروس ﴿نِعْمَ الثَّوَابُ﴾ الجنة ﴿وَحَسُنَتْ﴾ الأرائك ﴿مُرْتَفَقًا﴾ متكأ.