الآية تبيّن أنّ بنى إسرائيل لم يكونوا قد اطمأنوا كلّ الإطمئنان إلى أنّ طالوت مبعوث من الله تعالى لقيادتهم على الرّغم من أن نبيّهم صرّح ذلك لهم، ولهذا طلبوا منه الدّليل، فكان جوابه أنّ الدليل سيكون مجيء التابوت أو صندوق العهد إليهم (وقال لهم نبيّهم إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت).
فما هو تابوت بني إسرائيل أو صندوق العهد؟ ومن الذي صنعه؟ وما هي محتوياته؟ فإنّ في تفاسيرنا وأحاديثنا، وكذلك في العهد القديم- التوراة- كلاماً كثيراً عنه.
إلاَّ أنّ أوضحها هو ما جاءنا في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) وأقوال بعض المفسّرين من أمثال ابن عبّاس، حيث قالوا إنّ التابوت هو الصندوق الذي وضعت فيه أُمّ موسى ابنها موسى وألقته في اليمّ، وبعد أن انتشل أتباع فرعون الصندوق من البحر وأتوا به إليه وأخرجوا موسى منه، ظلّ الصندوق في بيت فرعون ثمّ وقع بأيدي بني إسرائيل، فكانوا يحترمونه ويتبرّكون به.
موسى (عليه السلام) وضع فيه الألواح المقدّسة- التي تحمل على ظهرها أحكام الله- ودرعه وأشياء أُخرى تخصّه وأودع كلّ ذلك في أواخر عمره لدى وصيّه يوشع ابننون.
وبهذا ازدادت أهميّة هذا الصندوق عند بني إسرائيل، فكانوا يحملونه معهم كلّما نشبت حرب بينهم وبين الأعداء، ليصعّد معنوياتهم، لذلك قيل: إنّ بني إسرائيل كانوا أعزّة كرماء ما دام ذلك الصندوق بمحتوياته المقدّسة بينهم، ولكن
بعد هبوط التزاماتهم الدينية وغلبة الأعداء عليهم سلب منهم الصندوق.
واشموئيل- كما تذكر الآية- وعدهم بإعادة الصندوق باعتباره دليلاً على صدق قوله.
(فيه سكينةٌ مِن ربّكم وبقيةٌ ممّا ترك آلُ موسى وآلُ هارون).
هذه الفقرة من الآية تبيّن أنّ الصندوق كما قلنا كان يحتوي على أشياء تضفي السكينة على بني إسرائيل وترفع معنوياتهم في الحوادث المختلفة (فيه سكينة من ربّكم).
ثمّ إنّ محتويات الصندوق كانت تضمّ آثاراً ممّا خلف آل موسى وآل هارون أُضيفت إلى ما كان فيه من قبل، وممّا يجدر ذكره هو أنّ "السكينة" بمعنى الهدوء، ويقصد بها هنا هدوء النفس والقلب.
قال لهم اشموئيل: إنّ الصندوق سوف يعود إليكم لتستعيدوا الهدوء الذي فقدتموه.
وفي الحقيقة أنّ هذا الصندوق بطابعه المعنويّ والتاريخيّ كان أكثر منمجرّد لواء لبني إسرائيل وشعار لهم.
كان يمثّل رمز استقلالهم ووجودهم وبرؤيته كانوا يسترجعون ذكرى عظمتهم السابقة.
لذلك كان الوعد بعودته بشارة عظيمة لهم.
(تحمله الملائكة).
كيف جاء الملائكة بصندوق العهد؟ في هذا أيضاً للمفسّرين كلام كثير أوضحها قولهم: جاء في التاريخ أنّه عندما وقع صندوق العهد بيد عبدة الأصنام في فلسطين وأخذوه إلى حيث يعبدون فيه أصنامهم، أصابتهم على أثر ذلك مصائب كثيرة، فقال بعضهم: ما هذه المصائب إلاَّ بسبب هذا الصندوق، فعزموا على إبعاده عن مدينتهم وديارهم، ولمّا لم يرض أحد بالقيام بالمهمّة اضطّروا إلى ربط الصندوق ببقرتين وأطلقوهما في الصحراء.
واتّفق هذا في الوقت الذي تمّ فيه نصب طالوت مَلكاً على بني إسرائيل.
وأمر الله الملائكة أن يسوقوا الحيوانين نحو مدينة اشموئيل.
وعندما رأى بنو إسرائيل الصندوق بينهم، اعتبروه إشارة من الله على اختيار طالوت مَلكاً عليهم.
وعليه نسب حمل الصندوق إلى الملائكة، لأنّهم هم الذين ساقوا البقرتين إلى بني إسرائيل.
في الحقيقة أنّ للملائكة معنىً واسعاً في القرآن والروايات، يشمل فضلاً عن الكائنات الروحية العاقلة، مجموعة من القوى الغامضة الموجودة في هذا العالم.
ويُستفاد ممّا تقدّم أنّه بالرّغم من ثبوت مسألة القيادة الإلهيّة لطالوت بالأدلّة والمعاجز الإلهيّة، فهناك بعض الأفراد لضعف إيمانهم لم يسلّموا إلى هذا الحقّ، وقد ظهرت هذه الحقيقة على أعمالهم العباديّة ومن ذلك تشير الجملة الأخيرة في هذه الآية (إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين).
﴿وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ﴾ حين طلبوا منه الحجة على رياسته ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ﴾ هو الذي أنزله الله على موسى فوضعته أمه فيه وألقته في اليم ﴿فِيهِ سَكِينَةٌ﴾ أمنة وطمأنينة وروي هو ريح من الجنة لها وجه كوجه الإنسان ﴿مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ هي الألواح وسائر آيات الأنبياء ﴿تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ﴾ وكان التابوت يدور في بني إسرائيل حيثما دار الملك فرفعه الله إليه بعد موسى حين استخفوا به ثم لما بعث طالوت أنزله إليهم ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ من كلام نبيهم أو خطاب عن الله تعالى.