الآية التي بعدها تقول: إِنَّهُ بالرغم من كل هذه الأمثلة المختلفة والتوضيحات المثيرة والأساليب المُختلفة التي ينبغي أن تنفذ إلى داخل الإِنسان المستعد لقبول الحق، فإِنَّ هناك مجموعة كبيرة من الناس لم تؤمن: (وما منع الناس أن يؤمنوا إِذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربّهم إِلاَّ أن تأتيهم سنة الأولين) أي مصير الاُمم السالفة: (أو يأتيهم العذاب قُبلا)(1) فيرونه بامّ أعينهم.
إِنَّ هذه الآية - في الحقيقة - إِشارة اِلى أنَّ هذه المجموعة المعاندة والمغرورة لا تؤمن بإرادتها وبشكل طبيعي أبداً، بل هُم يؤمنون في حالتين فقط:
أوّلا: عندما يُصيبهم العذاب الأليم الذي نزل مثلهُ في الأقوام والأُمم السابقة.
ثانياً: عندما يُشاهدون العذاب الإِلهي بأعينهم على الاقل وقد أشرنا مراراً إلى أنَّ مثل هذا الإِيمان هو إِيمان عديم الفائدة.
ومِن الضروري الإِنتباه هُنا إلى أنَّ مثل هؤلاء الناس لم يكونوا ينتظرون مثل هذه العاقبة أبداً، أمّا لأنَّ هذه العاقبة كانت حتمية بالنسبة لهم وهي الشيء الوحيد الذي ينتهي إليه مصيرهم، لذا نرى القرآن قد طرحها على شكل إِنتظار، وهذا نوع من الكناية اللطيفة.
ومثلهُ أن تقول للشخص العاصي: إِنَّ أمامك - فقط - أن تنتظر لحظة الحساب، بمعنى أنَّ الحساب والعقاب أمرٌ حتمي بالنسبة له، وهو بذلك يعيش حالة انتظار للمصير المحتوم.
إِنَّ بعض حالات العصيان والغرور التي يُصاب بها الإِنسان قد تتسلّط عليه بحيث لا يؤثّر فيه لا الوحي الإِلهي، ولا دعوات الإنبياء الهادية، ولا رؤية دروس وعبر الحياة الإِجتماعية، ولا مطالعة تأريخ الأمم السابقة.
إِنَّ الذي ينفع مع هذه الفئة مِن الناس هو العذاب الإِلهي الذي يعيد الإِنسان إِلى رشده، ولكن عند نزول العذاب تُغلق أبواب التوبة، ولا يوجد ثمّة طريق للرجعة والإِستغفار.
﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا﴾ من الإيمان ﴿إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى﴾ الدلالة البينة ﴿وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا﴾ طلب ﴿ ن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ﴾ من الإهلاك ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ﴾ بالسيف أو في الآخرة ﴿قُبُلًا﴾ عيانا أو بضمتين جمع قبيل أي أنواعا.