بعد ذلك ينتقل العالم إلى بيان سر الحادثة الثّانية التي قتل فيها الفتى فيقول: (وأمّا الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً).
تحتمل مجموعة منِ المفسّرين أنَّ المقصود مِن الآية ليسَ ما يتبيّن مِن ظاهرها مِن أنَّ الفتى الكافر والعاصي قد يكون سبباً في انحراف أبويه، وإِنّما المقصود أنَّهُ بسبب مِن طغيانه وكفره يؤذي أبويه كثيراً(3); ولكن التّفسير الأوّل أقرب للصحة.
في كل الأحوال، فإِنَّ الرجل العالم قامَ بقتل هذا الفتى، واعتبر سبب ذلك ما سوف يقع للأب والأم المؤمنين في حالِ بقاء الابن على قيد الحياة.
وسوف نجيب في فقرة البحوث على شبهة (القصاص قبل الجناية) التي ترد على أعمال الخضر هذه.
كلمة (خشينا) تستبطن معنىً كبيراً، فهذا التعبير يوضح أنَّ هذا الرجل العالم كان يعتبر نفسهُ مسؤولا عن مستقبل الناس، ولم يكن مستعداً لأن تصاب أم أو أب مؤمنان بسوء بسبب انحراف ابنهم.
كما إِنَّ تعبير (خشينا) جاء هُنا بمعنى: لم نكن نرغب، وإِلاَّ لا معنى للخوف في هذه الموارد بالنسبة لشخص بهذا المستوى مِن العلم والوعي والقدرة.
وبعبارة أُخرى، فإِنَّ الهدف هو الإِتقاء مِن حادث سيء نرغب أن نقي الأبوين مِنهُ على أساس المودّة لهما.
ويحتمل أن يكون التعبير بمعنى (علمنا) كما ينقل عن ابن عباس، يعني أنّنا كُنّا نعلم أنَّ الفتى - في حال بقائه - سوف يكون سبباً لأحداث أليمة تقع لأبيه وأُمه في المستقبل.
أمّا لماذا استخدم ضمير المتكّلم في حالة الجمع، بينما كان المتكلِّم فرداً واحداً، فإِنَّ سبب ذلك واضح، حيث أنّها ليست المرّة الأُولى التي يستخدم القرآن هذه الصيغة، ففي كلام العرب عندما يتحدث الأشخاص الكبار عن أنفسهم فإِنّهم يستخدمون ضمير الجمع.
والسبب في ذلك أنَّ هؤلاء الأشخاص يملكون أشخاصاً تحت أيديهم ويعطونهم الأوامر لتنفيذ الأعمال، فالله يعطي الأوامر للملائكة، والإِنسان يعطي الأوامر للذين هم تحت يديه.
ثمّ تحكي الآيات على لسان العالم قوله: (فأردنا أن يُبدلهما ربّهما خيراً منهُ زكاة وأقرب رحماً).
إِنَّ تعبير (أردنا) و (ربّهما) يطوي معاني كبيرة سوف نقف عليها بعد قليل.
(زكاة) هنا بمعنى الطهارة والنظافة، ولها مفهوم واسع حيث تشمل الإِيمان والعمل الصالح، وتتسع للأُمور الدينية والمادية، وقد يكون في هذا التعبير ما هو جواب على اعتراض موسى(ع) الذي قال: (أقتلت نفساً زكية .... ) فقالَ لهُ العالم في الجواب: إِنَّ هذه النفس ليست زكية، وأردنا أن يُبدلهما ربّهما ابناً طاهراً بدلا عن ذلك.
وفي روايات عديدة نقرأ "أبدلهما الله به جارية ولدت سبعين نبيّاً"(4).
﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ﴾ وقرىء وهو طبع كافرا وقرىء فكان كافرا وأبواه مؤمنين ﴿فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾ باتباعهما له بحبهما له وقيل فخشينا قول الله أي فعلمنا أو كرهنا.