(قال ربّ إِنّي وهن العظم منّي واشتمل الرأس شيباً).
إِن تشبيه آثار الكبر بالشعلة التي عمت كل الرأس تشبيه جميل، لأنّ خاصية شعلة النّار أنّها تتسع بسرعة، وتلتهم كل ما يحيط بها.
ومن جهة ثانية فإِنّ شعلة النّار لها بريق وضياء يجلب الإِنتباه من بعيد.
ومن ناحية ثالثة، فإِنّ النّار إِذا اشتعلت في محل له، فإِنّ الشيء الذي يبقي منه هو الرماد فقط.
لقد شبه زكريا نزول الكبر، وبياض كل شعر رأسه باشتعال النّار، والرماد الأبيض الذي تتركه، وهذا التشبيه جميل وبليغ جداً.
ثمّ يضيف: (ولم أكن بدعائك ربَّ شقياً) فقد عودتني دائماً - فيما مضى - على استجابة أدعيتي، ولم تحرمني منها أبداً، والآن وقد أصبحت كبيراً وعاجزاً فأجدني أحوج من السابق إلى أن تستجيب دعائي ولا تخيبّني.
إنّ الشقاء هنا بمعنى التعب والأذى أي إِنّي لم أتعب ولم أتاذَّ في طلباتي منك، لأنّك كنت تقضيها بسرعة.
﴿قَالَ رَبِّ﴾ يا رب ﴿إِنِّي وَهَنَ﴾ ضعف ﴿الْعَظْمُ مِنِّي﴾ خص لأنه أساس البدن وأصلب ما فيه ﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾ شبه الشيب في بياضه بالنار وانتشاره في الشعر باشتعالها ﴿وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ خائبا بل عودتني الإجابة.