التّفسير
نور الإيمان وظلمات الكفر:
بعدأن أشير في الآيات السابقة إلى مسألة الإيمان والكفر وإتضاح الحقّ من الباطل والطريق المستقيم عن الطريق المنحرف توضّح هذه الآية الكريمة إستكمالاً للموضوع أنّ لكل من المؤمن والكافر قائداً وهادياً فتقول: (الله وليّ الذين آمنوا) فهم يسيرون في ظلّ هذه الولاية من الظلمات إلى النور (يخرجهم من الظلمات إلى النور).
كلمة (وليّ) في الأصل بمعنى القرب وعدم الإنفصال ولهذا يقال للقائد والمربّي (ولي)- وسيأتي شرحها في تفسير آية (إنّما وليّكم الله ورسوله...)(1) - تطلق أيضاً على الصديق والرفيق الحميم، إلاّ أنّه من الواضح أنّ الآية مورد البحث تعني في هذه الكلمة المعنى الأوّل، ولذلك تقول (الله وليّ الذين آمنوا...).
ويمكن أن يقال أنّ هداية المؤمنين من الظلمات إلى النور هو تحصيل للحاصل، ولكن مع الإلتفات إلى مراتب الهداية والإيمان يتّضح أنّ المؤمنين في مسيرهم نحو الكمال المطلق بحاجة شديدة إلى الهداية الإلهيّة في كلّ مرحلة وفي كلّ قدم وكلّ عمل، وذلك مثل قولنا في الصلاة كلّ يوم: (إهدنا الصراط المستقيم).
ثمّ تضيف الآية إنّ أولياء الكفّار هم الطاغوت (الأوثان والشيطان والحاكم الجائر وأمثال ذلك) فهؤلاء يسوقونهم من النور إلى الظلمات (والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات) ولهذا السبب (اُولئك أصحاب النار هم فيها خالدون).
ملاحظات
1- إنّ تشبيه الإيمان والكفر بالنور والظلمة تشبيه بليغٌ رائع، فالنور هو منبع الحياة ومصدر البركات والرشد والنمّو التكامل والتحرّك ومنطلق الاطمئنان والعرفة والهداية، بينما الظلام رمز السكون والموت والنوم والجهل والضلال والخوف، وهكذا الإيمان والكفر.
2- النقطة الثانية هي أنّ "الظلام" في هذه الآية وفي آيات اُخرى جاء بصيغة الجمع (ظلمات)، والنور جاء بصيغة المفرد، وهذا يشير إلى أنّ مسيرة الحقّ ليس فيها تفرّق وتشتّت، بل هي مسيرةٌ واحدة فهي كالخط المستقيم بين نقطتين حيث إنّه واحدٌ دائماً غير متعدّد، أمّا الباطل والكفر فهما مصدر جميع أنواع الاختلاف والتشتّت، حتّى أنّ أهل الباطل غير منسجمين في باطلهم، وليس لهم هدف واحد كما هو الحال في الخطوط المائله والمنحرفة بين نقطتين حيث يكون عددها على طرفي الخط المستقيم غير محدود ولا معدود.
وأحتمل البعض أنّ المراد من ذلك أن صفوف الباطل بالنسبة لأهل الحقّ كثيرة.
3- يمكن أن يقال أنّ الكفّار ليس لهم نورٌ فيخرجوا منه، ولكن مع الإلتفات إلى أنّ نور الإيمان موجودٌ في فطرتهم دائماً فينطبق عليه هذا التعبير انطباقاً كاملاً.
4- من الواضح أنّ الله تعالى لا يجبر المؤمنين للخروج من الظلمات إلى النور (ظلمات المعصية والجهل والصفات الذميمة والبعد عن الحقّ) ولا يكره الكفّار على خروجهم من نور التوحيد الفطري، بل أنّ أعمال هؤلاء هي التي توجب هذا المصير وتثمر هذه العاقبة.
﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ متولي أمورهم ﴿يُخْرِجُهُم﴾ بلطفه ﴿مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ﴾ من الكفر إلى الإيمان أو من ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ﴾ الشياطين أو رؤساء الضلالة ﴿يُخْرِجُونَهُم﴾ بوسوستهم إليهم ﴿مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾ من نور الإسلام الذي فطروا عليه إلى ظلمات الكفر ومن نور البينات إلى ظلمات الشبهات ﴿أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ وعيد.