في هذه الساعة، سكتت مريم بأمر الله، والعمل الوحيد الذي قامت به، هو أنّها أشارت إِلى وليدها (فأشارت إِليه).
إِلاَّ أنّ هذا العمل جعل هؤلاء يتعجبون أكثر، وربما حمل بعضها على السخرية، ثمّ غضبوا فقالوا: مع قيامك بهذا العمل تسخرين من قومك أيضاً؟ (قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً).
لقد بحث المفسّرون هنا وتناقشوا كثيراً في شأن كلمة "كان" الدالة على الماضي، إِلاَّ أنّ الظاهر هو أن هذه الكلمة تشير هنا إِلى ثبوت ولزوم وصف موجود، وبتعبير أوضح: إِنّ هؤلاء قالوا لمريم: كيف نكلم طفلا كان ولا يزال في المهد؟
والشاهد على هذا المعنى آيات أُخرى من القرآن، مثل (كنتم خير أُمة أخرجت للناس) سورة آل عمران / 110، فمن المسلم أن "كنتم" لا تعني الماضي هنا، بل هي بيان لثبوت واستمرار هذه الصفات للمجتمع الإِسلامي.
وكذلك بحثوا حول "المهد"، فإِنّ عيسى لم يكن قد وُضع في المهد، بل إِنّ ظاهر الآيات هو أن مريم بمجرّد أن حضرت بين الناس، وفي الوقت الذي كان عيسى على يديها، جرى هذا الحوار بينها وبينهم.
إِلاّ أنّ الإِلتفات إِلى معنى كلمة "المهد" في لغة العرب سيوضح جواب هذا السؤال، فإِنّ كلمة المهد تعني - كما يقول الراغب في مفرداته - المكان الذي يهيؤونه للطفل، سواء كان المهد، أو حجر الأم، أو الفراش، والمهد والمهاد ورد كلاهما في اللغة بمعنى: المكان الممهد الموطأ، أي: للإِستراحة والنوم.
على كل حال، فإِنّ الناس قلقوا واضطربوا من سماع كلام مريم هذا، بل وربما غضبوا وقالوا لبعضهم البعض - حسب بعض الرّوايات - : إِنّ استهزاءها وسخريتها أشدّ علينا من انحرافها عن جادة العفة!
﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ﴾ إلى عيسى أن كلموه ليجيبكم ﴿قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾.