لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير تجلّي آخر للمعاد في هذه الدنيا: يذكر القرآن الكريم حول مسألة المعاد بعد قصة عزير قصةً اُخرى عن إبراهيم(عليه السلام) ليكتمل البحث، ويذكر معظم المفسّرين والمؤرخين في تفسير هذه الآية الحكاية التالية: مرّ إبراهيم (عليه السلام) يوماً على ساحل البحر فرأى جيفة مرميّة على الساحل نصفها في الماء ونصفها على الأرض تأكل منها الطيور والحيوانات البرّ والبحر من الجانبين وتتنازع أحياناً فيما بينها على الجيفة، عند رؤية إبراهيم (عليه السلام) هذا المشهد خطرت في ذهنه مسألة يودّ الجميع لو عرفوا جوابها بالتفصيل، وهيكيفيّة عودة الأموات إلى الحياة مرّة اُخرى، ففكّر وتأمّل في نفسه أنّه لو حصل مثل هذا الحادث لبدن الإنسان وأصبح طعاماً لحيوانات كثيرة، وكان بالتالي جزءً من بدن تلك الحيوانات، فكيف يحصل البعث ويعود ذلك الجسد الإنساني نفسه إلى الحياة؟ فخاطب إبراهيم (عليه السلام) ربّه وقال: (ربّ أرني كيف تحيي الموتى). فأجابه الله تعالى: أوَلم تؤمن بالمعاد؟ فقال (عليه السلام): بلى ولكن ليطمئّن قلبي. فأمره الله أن يأخذ أربعة طيور ويذبحها ويخلط لحمها، ثمّ يقسّمها عدّة أقسام ويضع على كلّ جبل قسماً منها، ثمّ يدعو الطيور إليه، وعندئذ سوف يرى مشهد يوم البعث، فأمتثل إبراهيم للأمر واستولت عليه الدهشة لرؤيته أجزاء الطيور تتجمّع وتأتيه من مختلف النقاط وقد عادت إليها الحياة. وثمّة تفسير آخر للآية نقله الفخر الرازي عن أحد المفسّرين يدعى (أبو مسلم) يخالف آراء بقيّة المفسّرين ولكنّنا نذكره هنا لئنّ مفسّراً معاصراً وهو صاحب المنار قد اختار هذا الرأي. يقول هذا المفسّر: ليس في هذه الآية ما يدلّ على أنّ إبراهيم (عليه السلام) ذبح الطيور وبعد ذلك عادت إلى الحياة من جديد بأمر الله تعالى، بل أنّ الآية في صدد بيان مثال لتوضيح مسألة المعاد، يعني أنّك يا إبراهيم خذ أربعة من الطير فضمّها إليك حتّى تستأنس بك بحيث تجيب دعوتك إذا دعوتها، فإنّ الطيور من أشدّ الحيوانات إستعداداً لذلك، ثمّ إجعل كلّ واحدة منهنّ على جبل ثمّ ادعها، فإنّها تسرع إليك، وهذه المسألة اليسيرة بالنسبة لك تماثل في سهولتها ويسرها مسألة إحياء الأموات وجمع إجزائها المتناثرة بالنسبة إلى الله تعالى. فعلى هذا يكون أمر الله تعالى لإبراهيم (عليه السلام) في الطيور الأربعة لايعني أن يقدم إبراهيم على هذا العمل حتماً، بل أنّه مجرّد بيان مثال وتشبيه كأن يقول شخصٌ لآخر لبيان سهولة الأمر عليه: إشرب هذا القدح من الماء حتّى انهي هذا العمل ويريد بذلك بيان سهولته، لا أنّ الآخر يجب عليه أن يشرب الماء. وأستدلّ أنصار النظريّة الثانية بكلمة (فصرهنّ إليك) وقالوا إنّ هذه الجملة إذا كانت متعدّية بحرف (إلى) فتكون بمعنى الأنس والميل، فعلى هذا يكون مفهومالجملة أنّه (خذ هذه الطيور وآنسهى بك) مضافاً إلى أنّ الضمائر في (صرهنّ) و (منهنّ) و (ادعهنّ) كلّها تعود إلى الطيور، وهذا لا يكون سليماً إلاّ إذا أخذنا بالتفسير الثاني، لأنّه على التفسير الأوّل تعود بعض هذه الضمائر على نفس الطيور وتعود البعض الآخر على أجزائها، وهذا غير مستساغ في الاستعمال. الجواب على هذه الاستدلالات سيأتي ضمن تفسيرنا للآية الشريفة ولكن ما تجدر الإشارة إليه هنا هو أنّ الآية تبيّن بوضوح هذه الحقيقة، وهي أنّ إبراهيم(عليه السلام)طلب من الله تعالى المشاهدة الحسيّة للمعاد والبعث لكي يطمئّن قلبه، ولاشكّ أنّ ضرب المثل والتشبيه لا يجسّد مشهداً ولا يكون مدعاة لتطمين الخاطر، وفي الحقيقة أنّ إبراهيم كان مؤمناً عقلاً ومنطقاً بالمعاد، ولكنّه كان يريد أن يدرك ذلك عن طريق الحس أيضاً. والآن نبدأ بتفسير الآية ليتّضح لنا أيّ التفسيرين أقرب وأنسب: (وإذ قال إبراهيم ربِّ أرني كيف تحيي الموتى). سبق أن قلنا إنّ هذه الآية تكملة للآيةالسابقة في موضوع البعث، يفيد تعبير (أرني كيف...) أنّه طلب الرؤية والشهود عياناً لكيفيّة حصول البعث لا البعث نفسه. (قال أوَلم تؤمن قال بلى ولكن لِيطمئنَّ قلبي). كان من الممكن أن يتصور بعضهم أنّ طلب إبراهيم (عليه السلام) هذا إنّما يدلّ على تزلزل إيمان إبراهيم (عليه السلام)، ولإزالة هذا التوهّم أوحى إليه السؤال: "أوَلم تؤمن؟" لكي يأتي جوابه موضحاً الأمر، ومزيلاً كلّ التباس قديقع فيه البعض في تلك الحادثة، لذلك أجاب إبراهيم (عليه السلام) (بلى ولكن ليطمئن قلبي). يفهم من هذه الآية أيضاً على أنّ الإستدلالات العملية والمنطقية قد تؤدّي إلى اليقين ولكنها لا تؤدّي إلى اطمئنان القلب، إنّها ترضي العقل لا القلب ولا العواطف. إنّ ما يستطيع أن يرضي الطرفين هو الشهود العيني والمشاهد الحسيّة. هذا موضوع مهمّ سوف نزيده إيضاحاً في موضعه. التعبر بالاطمئنان القلبي يدلّ على أن الفكر قبل وصوله إلى مرحلة الشهود يكون دائماً في حالة حركة وتقلَّب ولكن اذا وصل مرحلة الشهود يسكن ويهدأ. (قال فخذ أربعةً من الطير فصرهنّ إليك ثمّ اجعل على كلّ جبل منهنّ جزءاً). "صرهنّ" من "الصَوْر" أي التقطيع، أو الميل، أو النداء، ومعنى التقطيع أنسب. أي خذ أربعة من الطير واذبحهنّ وقطّعهنّ واخلطهنّ. لقد كان المقصود أن يشاهد إبراهيم (عليه السلام) نموذجاً من البعث وعودة الأموات إلى الحياة بعد أن تلاشت أجسادها. وهذا لا يأتلف مع أملهنّ ولا مع صح بهنّ وعلى الأخصّ ما يأتي بعد ذلك (ثمّ اجعل على كلّ جبل منهنّ جزءاً) وهذا دليل على أنّ الطيور قد قطّعت أوّلاً وصارت أجزاء. ولعلّ الذين قالوا إنّ (صرهنّ إليك) تعني استمالتهنّ وايناسهنّ قد غفلوا عن لفظة "جزءاً" هذه، وكذلك الهدف من هذا العمل. وبذلك قام إبراهيم بهذا العمل وعندما دعاهنّ تجمّعت أجزائهنّ المتناثرة وتركبّت من جديد وعادت إلى الحياة، وهذا الأمر أوضح لإبراهيم (عليه السلام) أنّ المعاد يوم القيامة سيكون كذلك على شكل واسع وبمقياس كبير جدّاً. ويرى بعضهم أنّ كلمة (سعيّاً) تعني أنّ الطيور بعد أن عادت إليهنّ الحياة لم يطرن، بل مشين مشياً إلى إبراهيم (عليه السلام) لئنّ السعي هو المشي السريع، وينقل عن الخليل ابن أحمد الأديب المعروف أنّ إبراهيم (عليه السلام) كان يمشي عندما جاءت إليه الطيور، أي أنّ (سعياً) حال من إبراهيم لا من الطيور(1)، ولكن بالرغم من كلّ ذلك فالقرائن تشير إلى أنّ (سعياً) كناية عن الطيران السريع. بحوث 1- الحادثة الخارقة للعادة لاشكّ في أنّ هذه الحادثة التي حدثت للطيور كانت أمراً خارقاً للعادة تماماً كما في وقوع البعث يوم القيامة، ونعلم أنّ الله تعالى حاكمٌ على قوانين الطبيعة وليس محكوماً لها، فعلى هذا لا يكون من العسير حدوث مثل هذه القضايا بأمره، وكما أشرنا سابقاً إلى أنّ إصرار بعض المفسّرين المثقفين على الأعراض عن التفسير المشهور. والقول بأنّ المراد هو تدجين وتأهيل هذه الطيور حتّى تستأنس به ثمّ يدعوها إليه فتستجيب، ضعيفٌ جدّاً وكلامٌ لا يستند على أساس منطقي ولا يتناسب مع مسألة المعاد ولا مع قصّة إبراهيم (عليه السلام) ورؤيته للجيفة على ساحل البحر ثمّ طلبه رؤية مشهد البعث والمعاد. والجدير بالذكر أنّ (الفخر الرازي) قال بأنّ جميع المفسّرين إتّفقوا على ما ذكر من التفسير المشهور إلاّ أبو مسلم حيث أنكر ذلك(2). 2- أربع طيور مختلفة لاشكّ أنّ الطيور الأربعة كانت من أربعة أنواع مختلفة، وإلاَّ فإنّ هدف إبراهيم(عليه السلام)من عودة كلّ جزء إلى أصله لايتحقق. وفي بعض الروايات أنّ هذه الطيور كانت طاووساً وديكاً وحمامةً وغراباً، فكان الإختلاف بينها كبيراً، ويرى بعض أنّها مظهر للصفات والخصال المختلفة في البشر. فالطاووس يمثّل العجب والخيلاء والتكبّر، والديك يمثّل الرغبات الجنسية الشديدة، والحمامة تمثّل اللهو واللعب، والغراب يمثّل الآمال والمطامح البعيدة. 3- عدد الجبال لم يرد في القرآن ذكر عدد الجبال التي وضع عليها إبراهيم أجزاء الطيور، ولكن الأحاديث التي وصلتنا عن أهل البيت (عليهم السلام) تقول أنّها عشرة. ولهذا ورد في الروايات: إنّ من يوصي بإنفاق جزء من أمواله في أمر من الأُمور دون تعيين النسبة فإن صرف عشرة بالمائة يكفي(3).. 4- متى وقعت هذه الحادثة؟ هل وقعت عندما كان إبراهيم في بابل، أم بعد نزوله بالشام؟ يظهر أنّ ذلك قد حدث في الشام، لأنّ منطقة بابل خالية من الجبال. 5- المعاد الجسماني معظم الآيات الواردة في القرآن المجيد بشأن البعث تشرح وتوضح المعاد الجسماني. إنّ العليم بالمفاهيم القرآنية الخاصّة بالمعاد يعلم أنّ ما يذكره القرآن هو المعاد الجسماني فقط، أي عندما يبعث الناس يكون البعث للجسم والروح معاً. لذلك فالقرآن يعبّر عن ذلك بأنّه إحياء الموتى، ولو كان البعث يقتصر على الروح لما كان للإحياء أي مفهوم. وهذه الآية تشرح بكلّ وضوح كيفيّة تجمّع أجزاء الجسد المتناثرة، وهو ما رآه إبراهيم (عليه السلام) بعينيه. 6- شبهة الأكل والمأكول ما ذكرناه من الدافع الذي دفع بإبراهيم (عليه السلام) إلى طلب مشاهدة إحياء الموتى وحكاية الجيفة التي كان يأكل منها حيوانات البرّ والبحر، نفهم أنّ إهتمام إبراهيم(عليه السلام) كان منصبّاً على أن يعرف كيف يمكن إرجاع جسد ميّت إلى حالته الأُولى بعد أن أكلته الحيوانات وأصبح جزءاً من أجساد تلك الحيوانات؟ وهذا ما يطلق عليه في علم العقائد اسم "شبهة الآكل والمأكول". لتوضيح ذلك نقول: إنّ الله سبحانه يعيد الإنسان في يوم القيامة بهذا الجسد المادّي. وبعبارة أُخرى يعود جسم الإنسان وتعود روحه أيضاً. في هذه الحالة يبرز تساؤل يقول: إذا استحال جسد الإنسان إلى تراب، وامتصّته جذور الأشجار والنباتات وأصبح ثمراً أكله إنسان آخر وغدا جزءاً من جسده. أو إذا افترضنا مثلاً سنوات قحط شديدة أكل فيها إنسان لحم إنسان، فإلى أيّ جسد ستعود هذه الأجزاء المأكولة؟ فإذا غدت جزء من الجسد الأوّل أصبح الجسد الثاني ناقصاً، وإن بقيت جزء من الجسد الثاني نقص الأول أو انعدم. الجواب: هذا الإعتراض القديم أجاب عليه الفلاسفة وعلماء العقائد إجابات مختلفة لا نرى ضرورة لدرجها جميعاً هنا. وهناك آخرون لم يستطيعوا أن يعثروا على جواب مقنع، فراحوا يؤوّلون الآيات المرتبطة بالمعاد الجسماني وعمدوا إلى اعتبار شخصية الإنسان منحصرة بالروح والخصائص الروحية، مع أنّ شخصية الإنسان لا تنحصر بالروح فقط، ولا الآيات الخاصّة بالمعاد الجسماني غامضة بحيث يمكن تأويلها، بل هي صريحة صراحة قاطعة كما قلنا. وهناك غيرهم قالوا بنوع من المعاد الجسماني الذي لا يختلف كثيراً عن المعاد الروحاني، إلاَّ أننا نجد أمامنا طريقاً أكثر وضوحاً بالإعتماد على النصوص القرآنية ويتّفق مع ما توصّل إليه العلم الحديث، ويحتاج توضيحه إلى عدّة مقدّمات. 1- إننا نعلم أنّ أجزاء جسد الإنسان تتبدّل مرّات عديدة من الطفولة إلى الموت، حتّى خلايا الدماغ التي لا تتغيّر من حيث العدد، تتغيّر من حيث الأجزاء، فهي من جهة تتغذّى ومن جهة اُخرى تتجزّأ، وهذا نفسه يؤدّي إلى تبديلها الكامل على مدى الزمن، بحيث إنّه بعد مرور عشر سنوات لا تبقى أيّة ذرّة من ذرّات الجسم القديمة. ولكن الذرّات السابقة عندما تكون على أعتاب الهلاك تنقل جميع خواصّها وآثارها إلى الخلايا الجديدة، لذلك فإنّ مميّزات الإنسان الجسمية كالطول والشكل والهيئة وغيرها من الكيفيات الجسمانية تبقى ثابتة على مرور الزمان، وهذا لايكون إلاَّ بانتقال هذه الصفات إلى الخلايا الجديدة، (لاحظ هذا بدقّة). وعليه فإنّ الأجزاء الأخيرة من كلّ إنسان، عندما تتبدّل بعد الموت إلى تراب، تكون حاوية على مجموعة من الصفات التي اكتسبتها على امتداد العمر، فهي تاريخ ينطق بمسيرة جسم الإنسان على امتداد العمر كلّه. 2- صحيح أنّ الروح هي الأساس الذي تبنى عليه شخصية الإنسان، ولكن ينبغي أن نعرف أنّ الروح تتكامل وتتربّى بالجسم، وهما يتبادلان التأثير. لذلك فكما أنّ جسدين لايتشابهان من جميع الجهات، كذلك لا تتشابه روحان من جميع الجهات أيضاً. ولهذا السبب فإنّ الروح لا تستطيع أن تتفاعل تفاعلاً كاملاً إلاَّ مع الجسد الذي تربّت وتكاملت معه. لذلك ففي البعث لابدّ من حضور الجسد السابق نفسه لكي تستطيع الروح الإندماج به وتستأنف نشاطها في عالم أسمى، ولتجني ثمار أعمالها. 3- تتمثّل في كلّ ذرّة من ذرّات الجسم جميع صفاته، أي أنّنا لو أمكننا أن نربّي كلّ خليّة من خلايا جسم الإنسان لتصبح إنساناً كاملاً، فإنّ ذلك الإنسان سوف يحمل جميع صفات الإنسان الذي اُخذ منه هذا الجزء، (لاحظ بدقّة). هل أن الإنسان كان في اليوم الأوّل أكثر من خلية واحدة؟ خلية النطفة التي كانت تحمل جميع الصفات، ثمّ راحت كلّ خلية تنشطر إلى خليتين على التوالي حتى اكتملت جميع خلايا الجسم، وعليه فإنّ كلّ خلية في جسم الإنسان هي جزء من الخلية الأُولى بحيث لو أنّها تربّت لأستحالت إلى إنسان شبيه بالأوّل يحمل صفاته من جميع الجهات. والآن مع أخذ هذه المقدّمات الثلاث بنظر الإعتبار نباشر بالإجابة على الإعتراض المذكور. في القرآن آيات تقول بوضوح: إنّ الذرّات الموجودة في جسم الإنسان عند الموت هي التي تعود إلى ذلك الجسد يوم القيامة(4). فإذا كان شخص آخر قد طعم من لحمه فإنّ الأجزاء التي طعمها تنفصل عنه وتعود إلى الجسم الأصلي، كلّ ما في الأمر أنّ جسم الشخص الآخر يصبح ناقصاً، ولكن ينبغي أن نقول إنّه لا ينقص، بل يصغر، لأنّ أجزاء الجسم المأكول تكون قد انتشرت في كلّ أجزاء جسم الآكل، ولذلك فإنّ جسم الآكل حين تُسترجع منه الأجزاء ينحف ويصغر بنسبة ما يؤخذ منه. فالذي يزن ستين كيلوغراماً، مثلاً، حين يؤخذ منه أربعون كيلوغراماً لتعطى للشخص الأوّل يصغر بحيث لا يزيد على وزن طفل. وهل يسبّب هذا مشكلة؟ كلاّ طبعاً، لأنّ هذا الجسد الصغير يكون حاوياً على جميع صفات الشخص دون زيادة ولا نقصان، وعند البعث يكون كالطفل الذي يولد صغيراً ثمّ ينمو ويكبر ويحشر بهيئة إنسان كامل. وليس في هذا النوع من النموّ عند البعث أيّ إشكال عقلي أو نقلي. هل هذا النموّ عند البعث فوريّ أم تدريجي؟ هذا ما لانعلمه، ولكن الذي نعلمه هو أنّه سواء أكان هذا أم ذاك، فلا يثير أيّة مشكلة، والمسألة محلولة في كلتا الحالتين. ويبقى سؤال واحد، وهو: إذا كان كلّ جسد الشخص الآكل مكوّناً من أجزاء جسد الشخص المأكول، فما العمل؟ الجواب بسيط، لأنّ حالة كهذه مستحيلة الوجود، فقضية الآكل والمأكول تقتضي أن يكون هناك أوّلاً جسد معيّن، ثمّ يتغذّى على جسد آخر وينمو، وعلى هذا فلا يمكن أن تكون جميع أجزاء جسم الآكل متكونة من أجزاء جسم المأكول، إذ ينبغي أن نفترض أوّلاً وجود جسم سابق حتى يمكن أن يتغذَّى على جسم آخر، وعليه فإنّ جسم الثاني سوف يكون جزء من جسم الأوّل لا كلّه، فتأمّل. يتّضح من هذا الشرح أنّ مسألة المعاد الجسماني لجسم الإنسان نفسه ليس فيه أيّ إشكال، ولا حاجة إلى تأويل الآيات الصريحة في إثبات هذا الموضوع. ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى﴾ سأل ذلك ليصير علمه عيانا ﴿قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن﴾ بقدرتي على الإحياء ﴿قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ بمضامة العيان إلى الوحي والبيان وروي ليطمئن قلبي على الخلة لأن الله أوحى إليه: إني متخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أجبته فوقع في نفسه أنه ذلك الخليل فسأل ما سأل ﴿قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ﴾ الطاووس والديك والحمامة والغراب ﴿فَصُرْهُنَّ﴾ اضممهن ﴿إِلَيْكَ﴾ وقرىء بكسر الصاد لتتأملها فلا تلبس عليك بعد الإحياء فقطعهن واخلطهن واجعل مناقرهن بين أصابعك ﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ﴾ وكانت الجبال عشرة وقيل أربعة ﴿مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ﴾ قل لهن: تعالين بإذن الله ﴿يَأْتِينَكَ سَعْيًا﴾ ساعيات مسرعات طيرانا أو مشيا، فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الأبدان ﴿وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ﴾ لا يعجزه شيء ﴿حَكِيمٌ﴾ في أفعاله وأقواله