5 - وأخيراً (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيّاً) ليكون معينه ونصيره.
بحثان
1 - من هو المخلَص؟
قرأنا في الآيات السابقة أنّ الله سبحانه جعل موسى من العباد المخلَصين - بفتح اللام - وهذا المقام عظيم جدّاً كما أشرنا إِلى ذلك، مقام مقترن بالضمان الإِلهي عن الانحراف، مقام محكم لا يستطيع الشيطان اختراقه، ولا يمكن تحصيله إِلاّ بالجهاد الدائم للنفس، والطاعة المستمرة المتلاحقة لأوامر الله سبحانه.
إِنّ كبار علماء الأخلاق يعتبرون هذا المقام مقاماً سامياً جدّاً، ويستفاد من آيات القرآن أنّ للمخلَصين امتيازات وخصائص خاصّة، سنتطرق إِليها إِن شاء الله تعالى.
2 - الفرق بين الرّسول والنّبي
الرّسول هو الشخص الذي أُلقيت على عاتقه مهمّة أو رسالة ليبلغها، والنّبي - بناء على أحد التفاسير - هو الشخص المطلع على الوحي الإِلهي والذي يُخبر بما يوحى إِليه، وبناء على تفسير آخر هو الشخص العالي المقام والسامي المرتبة، وقد بيّنا اشتقاق كلا الكلمتين ما مادتيهما.
هذا من جهة اللغة.
أمّا من جهة التعبيرات القرآنية ولسان الرّوايات، فالبعض يرى أن "الرّسول" صاحب شريعة ومأمور بابلاغها، أي يتلقى الوحي الإِلهي ثمّ يبلغه للناس، أمّا "النّبي" فإنّه يتلقى الوحي، إِلاّ أنّه ليس مكلفاً بإِبلاغه، بل مكلف بأداء واجبه فقط، أو الإِجابة على أسئلة من سأله.
وبتعبير آخر فإِنّ النّبي مثله كالطبيب الواعي الذي جلس في محله مستعداً لإِستقبال المرضى، فهو لا يذهب إِلى المرضى، أمّا إِذا راجعه مريض فإنّه لا يمتنع عن معالجته وأداء النصح إِليه.
أمّا الرّسول فإنّه كالطبيب السيّار، وبتعبير الإِمام علي(ع) في نهج البلاغة عن رسول الإِسلام(ص): "طبيب دوّار بطبه"(3)، فهو يدور في كل مكان، يذهب إِلى المدن والقرى، الجبال والصحارى ليجد المرضى ويشرع بعلاجهم، فهو عين تنبع بالماء العذب وتجري نحو العطاشى، وليسَ عيناً يبحث عنها العطاشى.
ويستفاد من الرّوايات التي وصلت إلينا في هذا الباب، وأوردها العلاّمة الكليني في كتاب (أصول الكافي) في باب (طبقات الأنبياء والرسل) وباب (الفرق بين النّبي والرسول) أنّ "النّبي" هو الشخص الذي يرى حقائق الوحي في حال النوم فقط، كرؤيا إِبراهيم، أو أنّه إِضافة إِلى النوم، فإنّه يسمع في اليقظة أيضاً صوت ملك الوحي.
أمّا الرّسول فإنّه علاوة على تلقي الوحي في المنام، وسماع صوت الملك، فإنّه يراه أيضاً(4).
ولا تنافي بين ما ورد في هذه الرّوايات والتّفسير الذي قلناه، لأن من الممكن أن يكون للمهمات والمسؤوليات المتفاوتة للنبي والرّسول تأثير في طريقة تلقي الوحي، وبتعبير آخر فإنّ كل مرحلة من المهمّة تساير مرحلة خاصّة من الوحي.
(دققوا جيداً).
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا﴾ من أجل نعمتنا أو بعضها ﴿أَخَاهُ﴾ أي مؤازرة أخيه إجابة لدعوته واجعل لي وزيرا من أهلي ﴿هَارُونَ نَبِيًّا﴾.