ثمّ تبيّن المسير النهائي للمتقين والمجرمين في عبارات موجزة، فتقول: إنّ كل هذه الأعمال جمعناها وأدخرناها له: (يوم نحشر المتقين إِلى الرحمن وفداً).
"الوفد" - على وزن وعد - في الأصل بمعنى الجماعة الذين يذهبون إِلى الكبار لحل مشاكلهم، ويكونون مورد احترام وتقدير، وعلى هذا فإنّ الكلمة تتضمن معنى الإِحترام والتكريم، وربّما كان ما نقرؤه في بعض الرّوايات من أن المتقين يركبون مراكب سريعة السير، ويدخلون الجنة باحترام بالغ، لهذا السبب.
يقول الإِمام الصادق(ع): "سأل علي(ع) رسول الله(ص) عن تفسير قوله عزَّوجلّ: (يوم نحشر المتقين إِلى الرحمن وفدا) فقال: يا علي، الوفد لا يكون إِلا ركباناً، أُولئك رجال اتقوا الله عزَّ وجلّ، فأحبّهم واختصهم ورضي أعمالهم فسمّاهم المتقين"(2).
الملفت للنظر أنّنا نقرأ في الآية: أنّ المتقين يحشرون إِلى الرحمن، في حين أنّ الكلام في الآية التالية عن سوق المجرمين إِلى جهنم، وعلى هذا ألم يكن من المناسب أن يقال: (الجنة) هنا بدل (الرحمن)؟
إِلاّ أنّ هذا التعبير - في الحقيقة - يشير إِلى نكتة مهمة، وهي أن المتقين يحصلون هناك على ما هو أسمى من الجنة، فهم يقتربون من الله وتجلياته الخالصة، ويدركون رضاه الذي هو أسمى وأغلى من الجنّة.
وتعبيرات الحديث الذي قرأناه من قبل عن النّبي(ص) تشير إِلى هذا المعنى أيضاً.
﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ﴾ نجمعهم ﴿إِلَى الرَّحْمَنِ﴾ إلى دار كرامته ولعل العدول من قوله إلينا لما في لفظ الرحمن المولى النعم من الإشارة ﴿وَفْدًا﴾ وافدين، عن علي (عليه السلام) ركبانا على نوق رحالها من ذهب.