فلمّا رأى بنو إسرائيل أنّ موسى (ع) قد عنفّهم بشدّة ولامهم على فعلهم وتنبّهوا إلى قبح ما قاموا به من عمل، هبوا للإعتذار فـ(قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا)(2) فلم نكن في الواقع قد رغبنا وصمّمنا على عبادة العجل (ولكنّا حمّلنا أوزاراً من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري).
وللمفسّرين آراء فيما فعله بنو إسرائيل، وما فعله السامري، وما هو معنى الآيات - محلّ البحث - على نحو الدقّة، ولا يبدو هناك فرق كبير في النتيجة بين هذه الإختلافات.
فذهب بعضهم: إن "قذفناها" تعني أنّنا ألقينا أدوات الزينة التي كنّا قد أخذناها من الفراعنة قبل الحركة من مصر في النّار، وكذلك ألقى السامري ما كان معه أيضاً في النّار حتّى ذاب وصنع منه عجلا.
وقال آخرون: إنّ معنى الجملة أنّنا ألقينا أدوات الزينة بعيداً عنّا، فجمعها السامري وألقاها في النّار ليصنع منها العجل.
ويحتمل أيضاً أن تكون جملة (فكذلك ألقى السامري) إشارة إلى مجموع الخطّة التي نفذّها السامري.
وعلى كلّ حال، فإنّ كبير القوم إذا لام مَن تحت إمرته على إرتكابهم ذنباً ما، فإنّهم يسعون إلى نفي ذلك الذنب عنهم، ويلقونه على عاتق غيرهم، وكذلك عبّاد العجل من بني إسرائيل، فإنّهم كانوا قد إنحرفوا بإرادتهم ورغبتهم عن التوحيد إلى الشرك، إلاّ أنّهم أرادوا أن يلقوا كلّ التبعة على السامري.
على كلّ، فإنّ السامري ألقى كلّ أدوات زينة الفراعنة وحليهم التي كانوا قد حصلوا عليها عن طريق الظلم والمعصية - ولم يكن لها قيمة إلاّ أن تصرف في مثل هذا العمل المحرّم - في النّار (فأخرج لهم عجلا جسداً له خوار)(3) فلمّا رأى بنو إسرائيل هذا المشهد، نسوا فجأةً كلّ تعليمات موسى التوحيديّة (فقالوا هذا إلهكم وإله موسى).
ويحتمل أيضاً أن يكون قائل هذا الكلام هو السامري وأنصاره والمؤمنون به.
وبهذا فإنّ السامري قد نسي عهده وميثاقه مع موسى، بل مع إله موسى، وجرّ الناس إلى طريق الضلال: "فنسي".
ولكن بعض المفسّرين فسّروا "النسيان" بالضلال والإنحراف، أو أنّهم إعتبروا فاعل النسيان موسى (ع) وقالوا: إنّ هذا كلام السامري، وهو يريد أن يقول: إنّ موسى نسي أنّ هذا العجل هو ربّكم، إلاّ أنّ كلّ ذلك مخالف لظاهر الآية، وظاهرها هو ما قلناه من أنّ المراد هو أنّ السامري قد أودع عهده وميثاقه مع موسى وربّ موسى في يد النسيان، واتّخذ طريق عبادة الأصنام.
﴿قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا﴾ بالفتح والكسر والضم لغات من مصدر ملك أي بأن ملكنا رأينا إذ لو ملكناه ولم بغلبنا كيد السامري لما أخلفناه ﴿وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ﴾ أثقالا من حلي القبط استعاروها منهم لأجل عيد لهم فبقيت عندهم وقبل هي ما ألقاه البحر على الساحل بعد إغراقهم فأخذوه ﴿فَقَذَفْنَاهَا﴾ ألقينا في النار بأمر السامري قال وهي حرام فألقوها ﴿فَكَذَلِكَ﴾ كما ألقينا ﴿أَلْقَى السَّامِرِيُّ﴾ ما منعه منها.