فلمّا رأى هارون غضب أخيه الشديد قال له - من أجل تهدئته وليقلّل من فورته، وكذلك ليبيّن عذره وحجّته في هذه الحادثة ضمناً .. (قال يابن اُمّ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إنّي خشيت أن تقول فرّقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي).
كان هارون في الحقيقة يُشير إلى كلام موسى (ع) الذي وجّهه إليه عند توجّهه إلى الميقات، وكان محتواه الدعوة إلى الإصلاح - الآية (142) من سورة الأعراف - فهو يريد أن يقول: إنّي إذا كنت قد أقدمت على الإشتباك معهم كان ذلك خلاف أمرك، وكان من حقّك أن تؤاخذني.
وبهذا أثبت هارون براءته، وخاصّةً مع ملاحظة الجملة الاُخرى التي وردت الآية (150) من سورة الأعراف: (إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني).
وهنا ينقدح السؤال التالي وهو: لا شكّ أنّ كلاًّ من موسى وهارون نبي، فكيف يوجّه موسى (ع) هذا العتاب واللهجة الشديدة إلى أخيه، وكيف نفسّر دفاع هارون عن نفسه؟!
ويمكن القول في الجواب: إنّ موسى (ع) كان متيقّناً من براءة أخيه، إلاّ أنّه أراد أن يثبت أمرين بهذا العمل.
الأوّل: أراد أن يُفهم بني إسرائيل أنّهم قد ارتكبوا ذنباً عظيماً جدّاً، وأي ذنب؟! الذنب الذي ساق هارون الذي كان نبيّاً عظيماً إلى المحكمة، وبتلك الشدّة من المعاملة، أي إنّ المسألة لم تكن بتلك البساطة التي كان يتصوّرها بنو إسرائيل.
فإنّ الإنحراف عن التوحيد والرجوع إلى الشرك، وذلك بعد كلّ هذه التعليمات، وبعد رؤية كلّ تلك المعجزات وآثار عظمة الحقّ، أمر لا يمكن تصديقه، ويجب الوقوف أمامه بكلّ حزم وشدّة.
قد يشقّ الإنسان جيبه، ويلطم على رأسه عندما تقع حادثة عظيمة أحياناً، فكيف إذا وصل الأمر إلى عتاب أخيه وملامته، ولا شكّ أنّ هذا الاُسلوب مؤثّر في حفظ الهدف وترك الأثر النفسي في الاُناس المنحرفين، وبيان عظمة الذنب الذي إرتكبوه.
كما لا شكّ في أنّ هارون - أيضاً - كان راضياً كلّ الرضى عن هذا العمل.
الثّاني: هو أن تثبت للجميع براءة هارون من خلال التوضيحات التي يبديها، حتّى لا يتّهموه فيما بعد بالتهاون في أداء رسالته.
﴿قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ﴾ بالكسر والفتح وكانا لأب وأم ﴿لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي﴾ أخذ بلحيته وذؤابته يجره فعل الغضبان بنفسه ﴿إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ لو فارقت أو قاتلت بعضهم ببعض ﴿وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ لك اخلفني في قومي وأصلح فإن الإصلاح كان فيما فعلت.