سبب النّزول
ورد في أحاديث كثيرة أنّ هذه الآية الشريفة نزلت في عليٍّ (عليه السلام) لأنّه كان لديه أربعة دراهم فأنفق منها درهماً في الليل وآخر في النهار وثالث علانيّة ورابع(1)خفيةً، فنزلت هذه الآية، ولكن من الواضح أنّ نزول الآية في مورد خاصّ لا يحدّد مفهوم تلك الآية ولا ينفي شموليّة الحكم لغيره من الموارد.
التّفسير
الإنفاق محمودٌ بكلّ أشكاله:
في هذه الآية يدور الحديث أيضاً عن مسألة اُخرى ممّا يرتبط بالإنفاق في سبيل الله وهي الكيفيّات المتنوّعة والمخلفة للإنفاق فتقول الآية: (الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنهار سرّاً وعلانية فلهم أُجرهم عند ربهم).
ومن الواضح أنّ إنتخاب أحد هذه الطرق المختلفة يتمّ مع رعاية الشرائط الأفضل للإنفاق، يعني أنّ المنفق يجب عليه مراعاة الجوانب الأخلاقية والإجتماعية في إنفاقه اللّيلي أو النهاري العلني أو السرّي، فحين لا يكون ثمّة مبرّر لإظهار الإنفاق على المحتاجين فينبغي أن يكون في الخفاء لحفظ كرامة المحتاجين وتركيزاً لإخلاص النيّة.
وإذا تطلّبت المصلحة إعلان الإنفاق كتعظيم الشعائر الدينيّة والترغيب والحثّ على الإنفاق دون أن يؤدّي ذلك إلى هتك حرمة أحد من المسلمين، فليعلن عنه (كالإنفاق في الجهاد والمراكز الخيريّة وأمثال ذلك).
ولا يبعد أن يكون تقديم اللّيل على النهار والسرّ على العلانية في الآية مورد البحث إشارة إلى أنّ صدقة السرّ أفضل إلاّ أن يكون هناك موجب لإظهاره رغم أنّه لا ينبغي نسيان الإنفاق على كلّ حال.
ومن المسلّم أنّ الشيء الذي يكون عند الله (وخاصّة بالنظر إلى صفة الربوبيّة الناظرة إلى التكامل والنمو) لا يكون شيئاً قليلاً وغير ذا قيمة، بل يكون متناسباً مع ألطاف الله تعالى وعناياته التي تتضمّن بركات الدنيا وكذلك حسنات الآخرة والقرب إلى الله تعالى.
ثمّ تضيف الآية (ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون).
إنّ الإنسان يعلم أنّه لكي يدبّر اُموره المعاشية والحياتية يحتاج إلى المال والثروة، فإذا فقد ثروته ينتابه الحزن على ذلك، ويشتدّ به الخوف على مستقبله، لأنّه لا يعلم ما ينتظره في مقبلات الأيام.
هذه الحالة غالباً ما تمنع الإنسان من الإنفاق، إلاَّ الذين يؤمنون من جهة بوعود الله ويعرفون من جهة اُخرى آثار الإنفاق الإجتماعية.
فهؤلاء لا ينتابهم الخوف والقلق من الإنفاق في سبيل الله على مستقبلهم ولا يحزنون على نقص أموالهم بالإنفاق، لأنّهم يعلمون أنّهم بإزاء ما أنفقوه سوف ينالون أضعافه من فضل الله وبركات إنفاقهم الفردية والإجتماعية والأخلاقية في الدنيا والآخرة.
﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً﴾ يعمون الأوقات والأحوال وأموالهم بالصدقة نزلت في علي (عليه السلام) لم يملك إلا أربعة دراهم فتصدق بواحد ليلا وواحد نهارا وواحد سرا وواحد علانية ﴿فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ بالاستحقاق ﴿عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ من أهوال القيامة ﴿وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ فيها.