التّفسير
قل: (ربّ زدني علماً)
الآيات محلّ البحث - في الواقع - إشارة إلى مجموع ما مرّ في الآيات السابقة حول المسائل التربوية المرتبطة بالقيامة والوعد والوعيد، فتقول: (وكذلك أنزلناه قرآناً عربياً وصرفنا فيه من الوعيد لعلّهم يتّقون أو يحدث لهم ذكراً).
التعبير ب- (كذلك) إشارة إلى المطالب التي بيّنت قبل هذه الآية، وهذا يشبه تماماً أن يذكر إنسان لآخر اُموراً من شأنها التوعية والعبرة، ثمّ يضيف: هكذا ينبغي التذكير والوعظ، وعلى هذا فلا حاجة إلى التفاسير التي ذكرت والبعيدة هنا عن معنى الآية).
كلمة "عربي" وإن كانت بمعنى اللغة العربية، إلاّ أنّها هنا إشارة إلى فصاحة القرآن وبلاغته وسرعة إيصاله للمفهوم والمراد من جهتين:
الأُولى: إنّ اللغة العربية - بشهادة علماء اللغة في العالم - واحدة من أبلغ لغات العالم، وأدبها من أقوى الآداب.
والثّانية: إنّ جملة (صرفنا) أحياناً تشير إلى التعبيرات القرآنية المختلفة حول حادثة واحدة، فمثلا نراه يبيّن مسألة الوعيد وعقاب المجرمين من خلال ذكر قصص الاُمم السابقة وحوادثها تارةً، وتارةً أُخرى على هيئة خطاب موجّه للحاضرين، وثالثة بتجسيد حالهم في مشهد القيامة، وهكذا.
إنّ إختلاف جملة (لعلّهم يتّقون) مع جملة (يحدث لهم ذكراً) قد يكون من جهة أنّ الجملة الأُولى تقول: إنّ الهدف هو إيجاد وغرس التقوى بصورة كاملة.
وفي الجملة الثّانية: إنّ الهدف هو أنّ التقوى وإن لم تحصل كاملة، فليحصل على الأقل الوعي والعلم فعلا، ثمّ تكون في المستقبل مصدراً وينبوعاً للحركة نحو الكمال.
ويحتمل أيضاً أن تكون الجملة الأُولى إشارة إلى إيجاد وتحقيق التقوى بالنسبة لغير المتّقين، والثّانية إلى التذكّر والتذكير بالنسبة للمتقين، كما نقرأ في الآية (الثانية) من سورة الأنفال: (إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً).
في الآية آنفة الذكر إشارة إلى أصلين مهمّين من اُصول التعليم والتربية المؤثّرة:
أحدهما: مسألة الصراحة في البيان، وكون العبارات بليغة واضحة تستقرّ في القلب.
والآخر: بيان المطالب بأساليب متنوعة، لئلاّ تكون سبباً للتكرار والملل، ولتنفذ إلى القلوب.
﴿وَكَذَلِكَ﴾ كما أنزلنا ما ذكر ﴿أَنزَلْنَاهُ﴾ أي القرآن ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ كله ﴿وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ المعاصي ﴿أَوْ يُحْدِثُ﴾ القرآن ﴿لَهُمْ ذِكْرًا﴾ عظة بعقوبات الأمم الماضية فيتعظون.