لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
أمّا الآية التّالية فتضيف قائلة: (فتعالى الله الملك الحقّ) ومن المحتمل أن يكون ذكر كلمة "الحقّ" بعد كلمة "المَلِك"، هو أنّ الناس ينظرون إلى الملك بمنظار سيء وتتداعى في أذهانهم صور الظلم والطغيان والجور والإستعلاء والتجبّر التي تكون في الملوك غالباً، ولذا فإنّ الآية تصف الله الملك سبحانه مباشرةً ب- "الحقّ". وبما أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعجّل في إبلاغ الوحي وما ينزل به من القرآن لإهتمامه به وتعشّقه أن يحفظه المسلمون ويستظهروه، ولم يتمهّل أن يتمّ جبرئيل ما يلقيه عليه من الوحي فيبلغه عنه، فإنّ الآية محلّ البحث تذكّره بأنّ يتمهّل فتقول: (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يُقضى إليك وحيه وقل ربّي زدني علماً). ويستشفّ من بعض آيات القرآن الاُخرى أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت تنتابه حالة نفسيّة خاصّة من الشوق عند نزول الوحي، فكانت سبباً في تعجّله كما في قوله تعالى: (لا تحرّك به لسانك لتعجل به إنّ علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه)(1). بحثان 1 - لا تعجل حتّى في تلقّي الوحي! لقد تضمّنت الآيات الأخيرة دروساً تعليميّة، ومن جملتها النهي عن العجلة عند تلقّي الوحي، وكثيراً ما لوحظ بعض المستمعين يقفون كلام المتحدّث أو يكملونه قبل أن يتمّه هو، وهذا الأمر ناشىء عن قلّة الصبر أحياناً، أو ناشىء عن الغرور وإثبات وجود أيضاً، وقد يكون العشق والتعلّق الشديد بشيء يدفع الإنسان - أحياناً - إلى هذا العمل، وفي هذه الحالة ينبعث عن حافر مقدّس، غير أنّ هذا الفعل نفسه - أي العجلة - قد يُحدث مشاكل أحياناً، ولذلك فقد نهت الآيات آنفة الذكر عن العجلة حتّى ولو كان المراد أو الهدف من هذا الفعل صحيحاً، وأساساً لا تخلو الأعمال التي تنجز بإستعجال من العيب والنقص غالباً. ومن المسلّم به أنّ فعل النّبي لمّا كان عليه من مقام العصمة - كان مصوناً من الخطأ، إلاّ أنّه ينبغي عليه أن يكون في كلّ شيء مثلا وقدوة للناس، ليفهم الناس أنّه إذا كان الإستعجال في تلقّي الوحي غير محبّذ، فلا ينبغي الإستعجال في الاُمور الاُخرى من باب أولى أيضاً. ولا ينبغي أن نخلط بين السرعة والعجلة طبعاً - فالسرعة تعني أنّ الخطّة قد نُظمت بدقّة كاملة، وحسبت جميع مسائلها، ثمّ تجري بنودها بدون فوات وقت. أمّا العجلة فتعني أنّ الخطّة لم تنضج تماماً بعد، وتحتاج إلى تحقيق وتدقيق، وعلى هذا فإنّ السرعة مطلوبة، والعجلة أمر غير مطلوب. وقد ذكرت إحتمالات أُخرى في تفسير هذه الجملة، ومنها أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)كان لا يطيق تأخّر الوحي، فعلّمته الآية أن يتمهّل فإنّ الله ينزل عليه وحيه عند الإقتضاء والحاجة إليه. وقال بعض المفسّرين: إنّ آيات القرآن نزلت على قلب النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ليلة القدر دفعةً واحدة، ونزلت مرّة أُخرى بصورة تدريجيّة على مدى (23) سنة، ولذلك فإنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يسبق جبرئيل عند النّزول التدريجي للآيات، فأمره القرآن أن لا تعجل في هذا الأمر، ودع الآيات تنزل نزولا تدريجيّاً كلّ في موقعها وزمانها. إلاّ أنّ التّفسير الأوّل يبدو أقرب للصواب. 2 - اُطلب المزيد من العلم لمّا كان النهي عن العجلة عند تلقّي الوحي موهماً النهي عن الإستزادة في طلب العلم، فقد عقّبت الآية بعد ذلك بالقول مباشرةً: (وقل ربّ زدني علماً) لتقف أمام هذا التصوّر الخاطىء، أي أنّ العجلة ليست صحيحة، لكن من الضروري الجدّ والسعي من أجل الإرتواء من منهل العلم! وقال بعض المفسّرين: إنّ الجملة الأُولى أمرت النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ألاّ يعجل في فهم كلّ جوانب الآيات قبل تبيينها في الآيات الاُخرى، وفي الجملة الثّانية صدر الأمر بأن يطلب من الله سبحانه علماً أكثر فيما يتعلّق بأبعاد آيات القرآن المختلفة. وعلى كلّ حال، فإذا كان النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مأموراً أن يطلب زيادة العلم من ربّه إلى آخر عمره مع غزارة علمه، وروحه المليئة وعياً وعلماً، فإنّ واجب الآخرين واضح جدّاً، وفي الحقيقة، فإنّ العلم من وجهة نظر الإسلام لا يعرف حدّاً، وزيادة الطلب في كثير من الاُمور مذمومة إلاّ في طلب العلم فانّها ممدوحة، والإفراط قبيح في كلّ شيء إلاّ في طلب العلم. فالعلم ليس له حدّ مكاني، فيجب الإجتهاد لتحصيله ولو كان في الصين أو الثريا، وليس له حدّ زماني فهو يستمرّ من المهد إلى اللحد. ولا يعرف حدّاً من جهة المعلّم، فإنّ الحكمة ضالّة المؤمن أينما وجدها أخذها، وإذا ما سقطت جوهرة من فم ملوّث فاسق فإنّه يلتقطها. ولا حدّ في الإسلام لمقدار السعي والإجتهاد، فهو يغوص في أعماق البحر ليكتسب العلم، وقد يضحّي بروحه في طريق تحصيل العلم. وعلى هذا فإنّ كلمة (خرّيج) أو (أنهى دراسته) لا معنى لها في منطق الإسلام، فإنّ المسلم الحقيقي لا يعرف نهاية في تحصيله للعلوم، فهو دائماً طالب جامعي، وطالب علم، حتّى لو أصبح أكثر الأساتذة تفوّقاً وأفضلهم. الطريف أنّنا نقرأ في حديث عن الإمام الصادق (ع) أنّه قال لأحد أصحابه: "إنّ لنا في كلّ جمعة سروراً" قال: قلت: وما ذاك؟ قال: "إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) العرش، ووافى الأئمّة (عليهم السلام) ووافينا معهم، فلا ترد أرواحنا بأبداننا إلاّ بعلم مستفاد، ولولا ذلك لأنفذنا"(2). وقد ورد هذا المضمون في روايات عديدة بعبارات مختلفة، وهو يوضّح أنّ النّبي والأئمّة يضاف ويزاد على علمهم إلى نهاية العالم: ونقرأ في رواية أُخرى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "إذا أتى علي يوم لا أزداد فيه علماً يقربني إلى الله فلا بارك الله لي في طلوع شمسه"(3). وكذلك نقرأ في حديث آخر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "أعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه، وأكثر الناس قيمة أكثرهم علماً، وأقلّ الناس قيمة أقلّهم علماً"(4). وهذا هو قدر العلم وقيمته في منظار التعليمات الإسلامية. ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ﴾ ارتفع عن مماثلة المخلوقين ﴿الْمَلِكُ﴾ النافذ تصرفه في ملكوته ﴿الْحَقُّ﴾ الذي يحق له الملك أو الثابت ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ لا تعجل بقراءته قبل أن يفرغ جبرئيل من إبلاغه، كان (صلى الله عليه وآله وسلّم) يساوقه في القراءة حرصا عليه أو في تبليغ ما كان مجملا قبل أن يأتيك بيانه ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ إلى ما علمتني أو قرآنا فإنه كلما نزل عليه شيء منه زاد به علمه.