وتقول الآية التالية تلطيفاً لنفس النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقوية لروحه: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) لأنّ هذه الصلاة بالنسبة لك ولأهلك أساس العفّة والطهارة وصفاء القلب وسمو الروح ودوام ذكر الله.
لا شكّ أنّ ظاهر (أهلك) هنا هو اُسرة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بصورة عامّة، إلاّ أنّ هذه السورة لمّا كانت قد نزلت في مكّة، فإنّ مصداق الأهل في ذلك الزمان كان (خديجة وعلياً(عليهما السلام)) وربّما شملت بعضاً من أقارب النّبي الآخرين، إلاّ أنّ مصطلح أهل بيت النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أصبح واسع الدلالة بمرور الزمن.
ثمّ تضيف بأنّه إذا كان قد صدر الأمر لك ولأهلك بالصلاة فإنّ نفعها وبركاتها إنّما يعود كلّ ذلك عليكم، فإنّا (لا نسألك رزقاً نحن نرزقك) فإنّ هذه الصلاة لا تزيد شيئاً من عظمة الله، بل هي رأس مال عظيم لتكامل البشر وإرتقائهم ودرس تعليمي وتربوي عال، إنّ الله سبحانه ليس كباقي الملوك والاُمراء الذين يأخذون الضرائب من شعوبهم ليديروا بها حياتهم وحياة مقرّبيهم، فإنّ الله غني عن الجميع ويحتاجه الجميع ويفتقرون إليه.
إنّ هذا التعبير في الحقيقة يشبه ما ورد في سورة الذاريات - الآية (56 - 58): (وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون .
وما اُريد منهم من رزق وما اُريد أن يطعمون .
إنّ الله هو الرزّاق ذو القوّة المتين) وعلى هذا، فإنّ نتيجة العبادات ترجع مباشرةً إلى نفس العابدين.
وتضيف الآية في النهاية: (والعاقبة للتقوى) فإنّ ما يبقى ويفيد في نهاية الأمر هو التقوى، والمتّقون هم الفائزون في النهاية، أمّا الذين لا تقوى لهم فهم محكومون بالهزيمة والإنكسار.
ويحتمل أيضاً في تفسير هذه الآية أنّ هدفها هو التأكيد في مجال الروح والتقوى والإخلاص في العبادات، لأنّ هذا أساس العبادة، وفي الآية (37) منسورة الحجّ نقرأ: (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم)فليس ظاهر الأعمال وقشورها هو الذي يوصلكم إلى مقام القرب من الله، بل إنّ الواقع والإخلاص والباطن الذي فيها هو الذي يفتح الطريق إلى مقام القرب منه.
﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ﴾ أهل بيتك ﴿بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ حافظ عليها ﴿لَا نَسْأَلُكَ﴾ لا نكلف ﴿رِزْقًا﴾ لنفسك ولا لأهلك ﴿نَّحْنُ نَرْزُقُكَ﴾ وإياهم ﴿وَالْعَاقِبَةُ﴾ المحمودة ﴿لِلتَّقْوَى﴾ لأهلها.