وتشتمل الآية التالية على دليلين آخرين في مجال نفي الشرك، فمضافاً إلى الدليل السابق يصبح مجموعها ثلاثة أدلّة.
تقول الآية أوّلا: (أم اتّخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم) وهو إشارة إلى أنّكم إذا صرفتم النظر عن الدليل السابق القائم على أنّ نظام عالم الوجود دليل على التوحيد، فإنّه لا يوجد أي دليل - على الأقل - على إثبات الشرك واُلوهيّة هذه الآلهة، فكيف يتقبّل إنسان عاقل مطلباً لا دليل عليه؟
ثمّ تشير إلى الدليل الأخير فتقول: (هذا ذكر من معي وذكر من قبلي) وهذا هو الدليل الذي ذكره علماء العقائد تحت عنوان (إجماع وإتّفاق الأنبياء على التوحيد).
ولمّا كانت كثرة المشركين (وخاصّةً في ظروف حياة المسلمين في مكّة، والتي نزلت فيها هذه السورة) مانعاً أحياناً من قبول التوحيد من قبل بعض الأفراد، فهي تضيف: (بل أكثرهم لا يعلمون الحقّ فهم معرضون).
لقد كانت مخالفة الأكثرية الجاهلة في كثير من المجتمعات دليلا وحجّة لإعراض الغافلين الجاهلين دائماً، وقد إنتقد القرآن الإستناد إلى هذه الأكثرية بشدّة في كثير من الآيات، سواء التي نزلت في مكّة أو المدينة، ولم يعرها أيّة أهميّة، بل إعتبر المعيار هو الدليل والمنطق.
﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً﴾ كرر استفظاعا لكفرهم ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ على ذلك عقلا ونقلا ﴿هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ﴾ عظة أمتي وهو القرآن ﴿وَذِكْرُ مَن قَبْلِي﴾ من الأمم وهو سائر كتب الله ليس فيها أن مع الله إلها، بل فيها ما ينفيه ولو كان له شريك لأتت رسله وكتبه تترى ولا خبر عن شريكه وصح إثبات التوحيد بالنقل لعدم توقف البعثة عليه ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ﴾ أي توحيد الله لتركهم النظر ﴿فَهُم مُّعْرِضُونَ﴾ عن الحق لعدم تمييزهم بينه وبين الباطل.