ولكن ذلك حصيلة ما زرعه بنفسه وما ظلمه فيه أحد، إنّما هو نفسه ظلم نفسه (وهم لا يظلمون).
جدير بالذكر أنّ هذه الآية من الأدلّة الأُخرى على تجسّد أعمال الإنسان في العالم الآخر.
ومما يلفت النظر أنّ تفسير "الدرّ المنثور" ينقل بطرق عديدة أنّ هذه الآية هي آخر آية نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يُستبعد هذا إذا أخذنا مضمونها بنظر الاعتبار.
وهذا لا يتناقض مع كون سورة البقرة ليست آخر سورة نزلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنّ بعض الآيات كما نعلم كانت توضع في سورة سابقة عليها أو لاحقة لها، وذلك بأمر النبيّ (ص) نفسه.
أضرار الربا
1- الربا يخلّ بالتوازن الإقتصادي في المجتمع، ويؤدي إلى تراكم الثروة لدى فئة قليلة، لأنّ هذه الفئة هي وحدها التي تستفيد من الأرباح بينما لا يجني الآخرون سوى الخسائر والأضرار والضغوط.
الربا يشكّل اليوم أهم عوامل اتّساع الهوة المستمر بين الدول الغنية والدول الفقيرة، وما يعقب ذلك من حروب دموية طاحنة.
2- الربا لون من ألوان التبادل الإقتصادي غير السليم، يضعف العلائق العاطفية، ويغرس روح الحقد في القلوب، ذلك لأنّ الربا يقوم في الواقع على أساس أنّ المرابي لا ينظر إلاَّ إلى أرباحه، ولا يهمّه الضرر الذي يصيب المدّين.
هنا يبدأ المدين بالإعتقاد بأن ّالمرابي يتّخذ من أمواله وسيلة لتدمير حياة الآخرين.
3- صحيح أنّ دافع الربا يرضخ لعمله هذا نتيجة حاجة قد ألجأته إلى ذلك.
ولكنّه لن ينسى هذا الظلم أبداً، وقد يصل به الأمر إلى الإحساس بأصابع المرابي تشدّد من ضغطها على عنقه وتكاد تخنفه.
وفي هذه الحالة تبدأ كلّ جوارح المدين المسكين ترسل اللعنات على المرابي، ويتعطّش لشرب دمه.
إنّه يرى بأُمّ عينيه كيف أنّ حاصل شقاءه وتعبه وثمن حياته يدخل إلى جيب هذا المرابي، في مثل هذه الحالة الهائجة تُترتكب عشرات الجرائم المرعبة، فقد يقدم المدين على الإنتحار، وقد تدفعه حالته اليائسة إلى أن يقتل المرابي شرّ قتلة، وقد ينفجر الشعب المضطهد انفجاراً عامّاً في ثورة عارمة.
إنّ انفصام علائق التعاون بين الدول المرابية والدول التي تستقرض منها بالربا واضح للعيان أيضاً.
إنّ الدول التي تجد ثرواتها تصبّ في خزائن دولة أُخرى باسم الربا تنظر دون شكّ بعين البغض والحقد إلى الدولة المرابية، وفي الوقت الذي هي تستقرض منها لحاجتها الماسة فإنّها تتحيّن الفرصة للإعراب عن نقمتها وكرهها بشتّى الوسائل والطرق.
وهذا هو الذي يحدونا إلى القول بأنّ للربا أثراً أخلاقياً سيئاً جدّاً في نفسيّةالمدين ويثير في قلبه الكره والضغينة، ويفصم عرى التعاون الإجتماعي بينالأفراد والملل.
4- في الأحاديث الإسلامية إشارة إلى آثار الربا الأخلاقية السيئة وردت في جملة قصيرة ولكنها عميقة المعنى.
جاء في كتاب "وسائل الشيعة" عن علّة تحريم الربا عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "إنّما حرّم الله عزّوجلّ الربا لكي لا يمتنع الناس عن اصطناع المعروف"(9).
﴿وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ﴾ يوم القيامة أو يوم الموت فتأهبوا للقائه ﴿ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ﴾ جزاءه خيرا كان أو شرا ﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ بنقص ثواب وزيادة عقاب وروي أنها آخر آية نزل بها جبرائيل وقال ضعها في رأس المائتين والثمانين من البقرة وعاش الرسول بعدها أحدا وعشرين يوما وقيل سبعة أيام.