التّفسير
مالك كلّ شيء:
هذه في الحقيقة تكملة للجملة الأخيرة في الآية السابقة وتقول: (لله ما في السموات وما في الأرض) ولهذا السبب فهو يعلم جميع أفعال الإنسان الظاهريّة منها والباطنيّة (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله).
يعني لاينبغي لكم أن تتصوروا أعمالكم الباطنيّة مثل كتمان الشهادة والذنوبالقلبيّة الاُخرى سوف تخفى على الله تعالى الحاكم على الكون بأجمعهوالمالك للسموات والأرض، فإنّه لا يخفى عليه شيء، فلا عجب إذا قيل أنّ الله تعالى يحاسبكم على ذنوبكم القلبيّة ويجازيكم عليها (فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء).
ويحتمل أيضاً أنّ الآية أعلاه تشير إلى جميع الأحكام المذكورة في الآيات السابقة من قبيل الإنفاق الخالص والإنفاق المشوب بالرياء أو المنّة والأذى وكذلك الصلاه والصوم وسائر الأحكام الشرعيّة والعقائد القلبيّة.
في ختام الآية تقول: (والله على كلّ شيء قدر) فهو عالمٌ بكل شيء يجري في هذا العالم، وقادرٌ أيضاً على تشخيص اللّياقات والملكات، وقادرٌ أيضاً على مجازات المتخلّفين.
ملاحظتان
1- قد يتصوّر أنّ هذه الآية مخالفة للأحاديث الكثيرة التي تؤكّد على النيّة المجرّدة، ولكنّ الجواب واضح، حيث إنّ تلك الأحاديث تتعلق بالذنوب التي لها تطبيقات خارجيّة وعمليّة بحيث تكون النيّة مقدّمة لها من قبيل الظلم والكذب وغصب حقوق الآخرين وأمثال ذلك، لا من قبيل الذنوب التي لها جنبة نفسيّة ذاتاً وتعتبر من الأعمال القلبيّة مثل (الشرك والرياء وكتمان الشهادة).
وهناك تفسير آخر لهذه الآية، وهو أنّه يمكن أن يكون لعمل واحد صور مختلفة، مثلاً الإنفاق تارةً يكون في سبيل الله، واُخرى يكون للرياء وطلب الشهرة، فالآية تقول: أنّكم إذا أعلنتم نيّتكم أو أخفيتموها فإنّ الله تعالى أعلم بها وسيجازيكم عليها، فهي في الحقيقة إشارة إلى مضمون الحديث الشريف "لا عمل إلاّ بنيّة"(1).
2- من الواضح أنّ قوله تعالى (فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء) أنّ إرادته لا تكون بدون دليل، بل أنّ عفوه أيضاً يرتكز على دليل ومبرّر، وهو لياقة الشخص للعفو الإلهي، وهكذا في عقابه وعدم عفوه.
﴿لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ ملكا وخلقا ﴿وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ﴾ من السوء ﴿أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ﴾ في القيامة ﴿فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء﴾ فضلا ﴿وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء﴾ عدلا ﴿وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ على المغفرة والعذاب.