التّفسير
علائم الإيمان وطريقه:
لقد شرعت سورة البقرة ببيان بعض المعارف الإسلامية والاعتقادات الحقّة واختتمت بهذه المواضيع أيضاً كما في الآية أعلاه والآية التي بعدها، وبهذا تكون بدايتها ونهايتها متوافقة ومنسجمة.
وقد ذكر بعض المفسّرين في سبب نزول هذه الآية أنّه حين نزلت الآية السابقة وأنّ الله تعالى يعلم ما في أنفسكم ويحاسبكم بما أظهرتم وأخفيتم في قلوبكم، خاف بعض الصحابة وقالوا: ليس أحدٌ منّا إلاّ وفي قلبه خطرات ووساوس شيطانيّة، فعرضوا الأمر على رسول الله (ص) فنزلت الآية أعلاه، وبيّنت طريق الحقّ والإيمان، ومنهج التضرّع والمناجاة والتسليم لأوامر الله تعالى(1).
في البداية تقول (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربّه) فهذا المعنى وهذه الخصيصة تعتبر من إمتيازات الأنبياء الإلهيين جميعاً بأنّهم مؤمنون بما جاءوا به إيماناً قاطعاً، فلا شكّ ولا شبهة في قلوبهم عن معتقداتهم، فقد آمنوا بها قبل الآخرين واستقاموا وصبروا عليها قبل الآخرين.
ونقرأ في الآية 158 من سورة الأعراف أنّ هذه الخصيصة تعتبر من صفات الرسول الأكرم ومن إمتيازاته حيث تقول: (فآمنوا بالله ورسوله النبيّ الأميّ الذي يؤمن بالله وكلماته).
ثمّ تضيف الآية الكريمة: (والمؤمنون كلٌّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد من رسله)(2) وهذه الجملة الأخيرة من كلام المؤمنين أنفسهم، حيث يؤمنون بجميع الأنبياء والمرسلين وشرائعهم بخلاف البعض من الناس الذين تقول عنهم الآية 150 من سورة النساء (ويريدون أن يفرّقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض)(3).
المؤمنون لا يرون تفاوتاً بين رسل الله من جهة أنّهم مرسلون من قبل الله تعالى، ويحترمونهم ويقدّسونهم جميعاً.
ومعلوم أنّ هذا الموضوع لاينافي مقولة نسخ الشرائع السابقة بواسطة الشريعة البعديّة، لأنّه كما سبقت الإشارة إليه أنّ تعليمات الأنبياء وشرائعهم من قبيل المراحل الدراسيّة المختلفة من الإبتدائية والمتوسطة والاعدادية والجامعة، فبالرغم من أنّها تشترك جميعاً في الاُصول والمباديء الأساسيّة، إلاَّ أنّها تختلف في السطوح والتطبيقات المختلفة، فعندما يرتقي الإنسان إلى مرحلة أسمى فإنّه يترك البرامج المعدّة للمرحلة السابقة ويأخذ بالبرامج المعدّة لهذه المرحلة، ومع ذلك يبقى إحترامه وتقديسه للمرحلة السابقة في محلّه.
ثمّ تضيف الآية أنّ المؤمنين مضافاً إلى إيمانهم الراسخ والجامع فإنّهم في مقام العمل أيضاً كذلك (وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير).
(سمعنا) وردت في بعض الموارد بمعنى فهمنا وصدّقنا من قبيل هذه الآية، أي أنّنا قبلنا دعوة أنبيائك بجميع وجودنا وعلى إستعداد تام للإطاعة والإتّباع.
ولكن يا إلهنا وربّنا نحن بشر وقد تتسلط علينا الغرائز والأهواء وتجرّنا إلى المعصية أحياناً، ولهذا ننتظر عفوك ونتوقع منك المغفرة لأنّ مصيرنا إليك(4).
وبهذا يتناغم الإيمان بالمبدأ والمعاد مع الإلتزام العملي بجميع الأحكام الشرعيّة والدساتير الإلهيّة.
﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ﴾ منهم ﴿آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ وقرىء وكتابه أي القرآن أو الجنس قائلين ﴿لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ﴾ بمعنى الجمع لوقوعه في سياق النفي ولذا دخل عليه بين ﴿مِّن رُّسُلِهِ﴾ أي نؤمن بجميعهم ﴿وَقَالُواْ سَمِعْنَا﴾ قولك ﴿وَأَطَعْنَا﴾ أمرك ﴿غُفْرَانَكَ رَبَّنَا﴾ اغفر غفرانك ﴿وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ المرجع بعد الموت.