لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وتقول الآية التالية: (فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين)أجل لم يكن هذا الأمر خاصّاً بيونس، بل هو لطف الله الشامل فكلّ مؤمن يعتذر من ربّه عن تقصيره ويسأله العون والمدد والرحمة فإنّ الله سيستجيب له ويكشف عنه غمّه. بحوث 1 - قصّة يونس(ع) ستأتي تفاصيل قصّة يونس في تفسير سورة الصافات إن شاء الله تعالى، أمّا ملخّصها فهو: إنّ "يونس" كان لسنين طوال مشتغلا بالدعوة والتبليغ بين قومه في أرض نينوى بالعراق، ولكن رغم كلّ ما بذله من جهود ومساع فإنّ إرشاداته وتوجيهاته لم تؤثر في قلوبهم، فغضب وهجر تلك الأرض، وذهب باتجاه البحر وركب السفينة، وأثناء الطريق هاج البحر، فكاد كلّ ركّاب السفينة أن يغرقوا. وهنا قال ربّان السفينة: إنّي أظنّ أنّ بينكم عبداً هارباً يجب أن يلقى في البحر - أو إنّه قال: إنّ السفينة ثقيلة جدّاً ويجب أن نلقي فرداً منّا تخرجه القرعة - فاقترعوا عدّة مرّات، وكان اسم يونس(ع) يخرج في كلّ مرّة! فعلم أنّ في هذا الأمر سرّاً خفيّاً، فسلّم للحوادث، وعندما ألقوه في البحر إبتلعه حوت عظيم وأبقاه الله في بطنه حيّاً. وأخيراً إنتبه إلى أنّه قد ترك الأولى، فتوجّه إلى الله وإعترف بتقصيره، فإستجاب الله دعوته وأنجاه من ذلك المكان الضيّق(2). من الممكن أن يتصوّر إستحالة هذا الحادث من الناحية العلمية، ولكن لا شكّ أنّ هذا الأمر خارق للعادة، إلاّ أنّه ليس بمحال عقلي، كإحياء الموتى فإنّه يعدّ أمراً خارقاً للعادة وليس محالا، وبتعبير آخر: فإنّ وقوعه غير ممكن بالطرق العادية، ولكنّه ليس صعباً مع الإستعانة بقدرة الله غير المحدودة. وستقرؤون تفصيلا أكثر حول هذه الحادثة في تفسير سورة الصافات إن شاء الله تعالى. 2 - ما معنى الظلمات هنا؟ من الممكن أن يكون هذا التعبير إشارة إلى ظلمة البحر في أعماق الماء، وظلمة بطن الحوت، وظلمة الليل، وتؤيّد ذلك الرّواية التي رويت عن الإمام الباقر(ع)(3). 3 - أي أولى تركه يونس؟ لا شكّ أنّ تعبير "مغاضباً" إشارة إلى غضب يونس على قومه الكافرين، وكان مثل هذا الغضب في هذه الظروف طبيعيّاً تماماً، إذ تحمّل هذا النّبي المشفق المشقّة والتعب سنين طويلة من أجل هداية القوم الضالّين، إلاّ أنّهم لم يلبّوا دعوته الخيّرة .. ومن جهة أُخرى، فإنّ يونس لمّا كان يعلم أنّ العذاب الإلهي سينزل بهم سريعاً، فإنّ ترك تلك المدينة لم يكن معصية، ولكن كان الأولى لنبي عظيم كيونس ألاّ يتركها حتّى آخر لحظة - اللحظة التي سيعقبها العذاب الإلهي - ولذلك آخذه الله على هذه العجلة، وإعتبر عمله تركاً للأولى. وهذا هو عين ما أشرنا إليه في قصّة آدم(ع) من أنّ المعصية ليست مطلقة، بل نسبيّة، أو بتعبير آخر هي مصداق "حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين". ولمزيد الإطّلاع راجع ما ذكرناه ذيل الآية (19) وما بعدها من سورة الأعراف. 4 - درس مصيري جملة (كذلك ننجي المؤمنين) العميقة المعنى توحي بأنّ ما أصاب يونس من البلاء والنجاة لم يكن حكماً خاصّاً، بل حكم عام مع حفظ تسلسل الدرجات والمراتب. إنّ كثيراً من الحوادث المؤلمة والإبتلاءات الشديدة والمصائب نتيجة لذنوبنا ومعاصينا، وهي سياط لتنبيه الأرواح الغافلة، أو هي مواقد لتصفية معادن أرواح الآدميين فمتى ما تنبّه الإنسان إلى ثلاثة اُمور التي إنتبه إليها يونس في مثل هذا الظرف فإنّه سينجو حتماً: 1 - التوجّه إلى حقيقة التوحيد، وأنّه لا معبود ولا سند إلاّ الله. 2 - تنزيه الله عن كلّ عيب ونقص وظلم وجور، وتجنّب كلّ سوء ظنّ بذاته المقدّسة. 3 - الإعتراف بذنبه وتقصيره. والشاهد على هذا الكلام الحديث المروي في الدرّ المنثور عن الرّسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "اسم الله الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى دعوة يونس بن متّى" فقال رجل: يارسول الله هي ليونس خاصّة أم لجماعة المسلمين؟ قال: "هي ليونس خاصّة وللمؤمنين إذا دعوا بها، ألم تسمع قول الله(وكذلك ننجي المؤمنين)؟ فهو شرط من الله لمن دعاه"(4). ولا يحتاج أن نذكر بأنّ المراد ليس قراءة الألفاظ والكلمات فقط، بل جريان حقيقتها في أعماق روح الإنسان، أي أن ينسجم كلّ وجوده مع معنى تلك الألفاظ حين قراءتها. ويلزم التذكير بهذه المسألة، وهي أنّ العقوبات الإلهيّة على نحوين: أحدهما: عذاب الإستئصال، أي العقوبة النهائية التي تحلّ لمحو الأفراد الذين لا يمكن إصلاحهم، إذ لا ينفعهم أي دعاء حينئذ، لأنّ أعمالهم ذاتها ستكرّر بعد هدوء عاصفة البلاء. والآخر: عذاب التنبيه، والذي له صفة تربوية، ويرتفع مباشرةً بمجرّد أن يؤثّر أثره ويتنبّه المخطىء ويثوب إلى رشده. ومن هنا يتّضح أنّ إحدى غايات الآفات والإبتلاءات والحوادث المرّة هي التوعية والتربية. إنّ حادثة يونس(ع) تحذّر بصورة ضمنيّة جميع قادة الحقّ والمرشدين إليه بأن لا يتصوّروا إنتهاء مهمتهم مطلقاً، ولا يستصغروا أي جهد وسعي في هذا الطريق، لأنّ مسؤولياتهم ثقيلة جدّاً. ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾ ببطن الحوت بأن قذفه إلى الساحل بعد ثلاثة أيام أو أكثر ﴿وَكَذَلِكَ﴾ كما نجيناه ﴿نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ برغمهم.