التّفسير
نجاة زكريا من الوحدة:
تبيّن هاتان الآيتان جانباً من قصّة شخصيتين اُخريين من أنبياء الله العظماء، وهما زكريا ويحيى(عليهما السلام).
فتقول الأُولى: (وزكريا إذ نادى ربّه ربِّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين).
لقد مرّت سنين من عمر زكريا، واشتعل رأسه شيباً، ولم يرزق الولد حتّى ذلك الحين، ثمّ أنّ زوجته كانت عقيماً، وقد كان يأمل أن يُرزق ولداً يستطيع أن يُكمل مناهجه الإلهيّة وأعماله التبليغيّة، ولئلاّ يتسلّط المنتفعون على معبد بني إسرائيل، فينهبوا منه أمواله وهداياه التي ينبغي إنفاقها في سبيل الله.
وعندئذ توجّه إلى الله بكلّ وجوده وسأله ولداً صالحاً .. ودعا الله دعاءً يفيض تأدّباً، فبدأ دعاءَه بكلمة "ربّ"، الربّ الذي يشمل الإنسان بلطفه من أوّل لحظة.
ثمّ أكّد زكريا(ع) على هذه الحقيقة، وهي أنّي إن بقيت وحيداً فسأُنسى - ولا أُنسى وحدي، بل ستُنسى مناهجي وسيرتي أيضاً; أكّد كلّ ذلك بتعبير (لا تذرني)من مادّة (وذر) على وزن مرز بمعنى ترك الشيء لقلّة قيمته وعدم أهميّته.
﴿وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا﴾ بلا ولد يرثني ﴿وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ﴾ الباقي بعد فناء خلقك.