التّفسير
مريم السيّدة الطاهرة:
اُشير في هذه الآية إلى مقام مريم وعظمتها وعظمة إبنها المسيح (عليهما السلام).
إنّ ذكر مريم في ثنايا البحوث التي تتكلّم على الأنبياء الكرام; إمّا من أجل ولدها عيسى (ع)، أو لأنّ ولادته كانت تشبه ولادة يحيى بن زكريا(عليهما السلام) من جهات متعدّدة، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في ذيل آيات سورة مريم(1).
أو ليوضّح أنّ العظمة غير مختّصة بالرجال، بل هناك نساء عظيمات يدلّ تاريخهنّ على عظمتهنّ، وكنّ قدوة ومثلا أسمى لنساء العالم.
تقول الآية: واذكر مريم: (والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين).
ملاحظات
1 - "الفرج" معناه في اللغة الفاصلة والشقّ، وإستعمل كناية عن العضو التناسلي، لا أنّه صريح في هذا المعنى ويرى البعض انّ كلّ ما ورد في القرآن في شأن الاُمور الجنسية له طابع كنائي وغير صريح، من قبيل "اللمس" "الدخول" "الغشيان"(2) "الإتيان"(3) وغير ذلك.
ويلزم ذكر هذه اللطيفة أيضاً، وهي: إنّ ظاهر الآية المتقدّمة يقول: إنّ مريم قد حفظت طهارتها وعفّتها من كلّ أشكال التلوّث بما ينافي العفّة.
إلاّ أنّ بعض المفسّرين إحتمل في معنى هذه الآية أنّها إمتنعت من الإتّصال بالرجال، سواء كان ذلك من الحلال أو الحرام(4)، كما تقول الآية (20) من سورة مريم: (ولم يمسسني بشر ولم أك بغيّاً).
إنّ هذه الصفة في الحقيقة مقدّمة لإثبات إعجاز ولادة عيسى وكونه آية.
2 - إنّ المراد من "روحنا" - كما قلنا سابقاً - الإشارة إلى روح عظيمة متعالية، ويقال لمثل هذه الإضافة: "الإضافة التشريفيّة"، حيث نضيف شيئاً إلى الله لبيان عظمته، مثل بيت الله، وشهر الله.
3 - تقول الآية آنفة الذكر: إنّا جعلنا مريم وإبنها آية للعالمين، ولم تقل: آيتين وعلامتين، لأنّ وجود مريم ووجود إبنها إمتزجا في هذه الآية الإلهيّة العظيمة إمتزاجاً لا يمكن معه تجزئة بعضهما عن بعض، فإنّ ولادة ولد بدون أب إعجاز بنفس المقدار الذي تحمل فيه امرأة بدون زوج.
وكذلك معجزات عيسى (ع) في طفولته وكبره فإنّها تذكر باُمّه.
إنّ هذه الاُمور الخارقة للعادة، والمخالفة للأسباب الطبيعيّة العادية، يبيّن في الجملة حقيقة أنّ وراء سلسلة الأسباب قدرة قادرة على تغييرها في أي وقت شاءت.
وعلى كلّ حال، فإنّ حال السيّد المسيح واُمّه مريم(عليهما السلام) لم يكن له نظير على طول تأريخ البشر، فلم يُر قبله ولا بعده شبيه له وربّما كان تنكير كلمة (آية) في قوله تعالى: (وجعلناها وابنها آيةً للعالمين) الدالّ على التعظيم هو إشارة إلى هذا المعنى ..
﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ من حلال وحرام أي مريم ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا﴾ من جهة روحنا جبرئيل حيث نفخ في جيبها فحملت بعيسى ﴿وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا﴾ أي حالهما حيث ولدته من غير أب ﴿آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ دالة على كمال قدرتنا.