وأشارت الآية التالية إلى إنحراف جماعة عظيمة من الناس عن أصل التوحيد، فقالت: (وتقطّعوا أمرهم بينهم) فقد وصل بهم الأمر إلى أن يقف بعضهم ضدّ بعض، ويلعن بعضهم بعضاً ويتبرّأ منه، ولم يكتفوا بذلك، بل شهروا السلاح فيما بينهم، وسفكوا الدماء الكثيرة، وكانت هذه الأحداث نتيجة الإنحراف عن أصل التوحيد ودين الله الحقّ.
جملة "تقطّعوا" - من مادّة قطع - بمعنى تفريق القطع المتّصلة بموضوع واحد، وإذا لاحظنا أنّها جاءت من باب (تفعّل) الذي يأتي بمعنى القبول، فإنّ معنى الجملة هو: إنّ اُولئك قد إستسلموا أمام عوامل التفرقة والنفاق، ورضوا بأن يبتعد أحدهم عن الآخر، وأنهوا إتّحادهم الفطري والتوحيدي، فمَنُوا - نتيجة ذلك - بكلّ تلك الهزائم والشقاوة!
وتضيف في النهاية: (كلّ إلينا راجعون) فإنّ هذا الإختلاف عرضي يمكن إقتلاعه، وسيسيرون في طريق الوحدة جميعاً في يوم القيامة، وقد أكّد على هذه المسألة في كثير من الآيات القرآنية، وهي أنّ واحدة من خصائص يوم القيامة زوال الإختلافات وذوبانها والرجوع إلى الوحدة، فنقرأ في الآية 48/سورة المائدة: (إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون).
ويلاحظ هذا المضمون في آيات متعدّدة من القرآن الكريم(2)، وعلى هذا فإنّ خلق البشر بدأ من الوحدة، ويرجع إلى الوحدة.
﴿وَتَقَطَّعُوا﴾ التفت من الخطاب إلى الغيبة تقبيحا لفعلهم إلى غيرهم ﴿أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ﴾ جعلوا أمر دينهم قطعا متفرقة فتفرقوا فيه ﴿كُلٌّ﴾ كل الفرق ﴿إِلَيْنَا رَاجِعُونَ﴾ فنجازيهم.