التّفسير
حصب جهنّم!
متابعة للبحث السابق عن مصير المشركين الظالمين، فقد وجّهت هذه الآيات الخطاب إليهم، وجسّدت مستقبلهم ومستقبل آلهتهم بهذه الصورة: (إنّكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنّم)!
"الحصب" في الأصل يعني الرمي والإلقاء، وتقال بالذات لإلقاء قطع الحطب في التنور.
وقال بعضهم: إنّ للحطب - على وزن سبب - في لغات العرب ألفاظاً مختلفة، فبعض القبائل يسمّيه حصباً، والبعض الآخر خضباً، ولمّا كان القرآن يسعى للتأليف بين القبائل والطوائف والقلوب، فإنّه كان يستعمل لغات مختلفة أحياناً، ومن جملة ذلك كلمة "حصب" هذه، وهي لغة أهل اليمن لكلمة حطب(1).
وعلى كلّ حال، فإنّ الآية محلّ البحث تقول للمشركين: إنّكم وآلهتكم ستكوّنون حطب جهنّم، وستُلقون الواحد تلو الآخر في نار جهنّم كقطع الحطب التي لا قيمة لها، ثمّ تضيف (أنتم لها واردون).
وهذه الجملة إمّا أن تكون تأكيداً لهذا المطلب، أو إنّها إشارة إلى نكتة جديدة، وهي أنّهم يلقون آلهتكم في النّار أوّلا، ثمّ تردون عليها، فكأنّ آلهتكم تستقبلكم وتستضيفكم بالنّار المنبعثة من وجودها(2).
فإذا سأل سائل ما الهدف من إلقاء الأصنام في جهنّم؟
يقال في الجواب: إنّ هذا بنفسه نوع من العذاب بالنسبة لعبدة الأصنام حيث يرون أنّهم يحترقون في النّار التي تتوقّد من آلهتهم.
إضافةً إلى أنّه تحقير لأفكارهم حيث كانوا يلتجؤون إلى مثل هذه الموجودات العديمة القيمة والأهميّة.
طبعاً، هذا في حالة كون (ما يعبدون) تعني الآلهة الميتة التي لا روح لها كالأصنام الحجرية والخشبية، كما يستفاد ذلك من (ما) لأنّها تستعمل غالباً لغير العاقل.
أمّا إذا أخذناها بالمعنى العامّ، بحيث تشمل الشياطين الذين أصبحوا محلّ عبادة، فإنّ مسألة ورود هذه الآلهة إلى جهنّم واضحة تماماً، لأنّهم شركاء في الجريمة والمعصية.
﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ أي غيره من الأوثان والشياطين فإنهم عبدوهم بطاعتهم لهم ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ محصوبها وهو ما يحصب فيها أي يرمى يعني وقودها ﴿أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ داخلون.