التّفسير
الجدال بالباطل مرّة أُخرى:
تتحدّث هذه الآيات أيضاً عمّن يجادلون في المبدأ والمعاد جدالا خاوياً لا أساس له، في البداية يقول القرآن المجيد: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير).
وعبارة (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم) هي ذاتها التي ذكرت في آية سابقة، وإعادتها تبيّن لنا أنّ العبارة الأُولى إشارة إلى مجموعة من الناس، والثّانية إلى مجموعة أُخرى.
وبعض المفسّرين يرى أنّ الفرق بين هاتين المجموعتين من الناس هو أنّ الآية السابقة الذكر دالّة على وضع الأتباع الضالّين الغافلين، في وقت تكون فيه هذه الآية دالّة على قادة هذه المجموعة الضالّة(1).
وعبارة (ليضلّ عن سبيله) تبيّن هدف هذه المجموعة، ألا وهو تضليل الآخرين، وهذا دليل واضح على الفرق بينهما، مثلما توضّح هذا المعنى عبارة (يتّبع كلّ شيطان مريد) في الآيات السابقة التي تتحدّث عن اتّباع الشياطين.
ولكن ما الفرق بين "العلم" و "الهدى" و "الكتاب المنير"؟
للمفسّرين آراء في هذا المجال أقربها إلى العقل هو أنّ "العلم" إشارة إلى الإستدلال العقلي.
و "الهدى" إشارة إلى إرشاد القادة الربّانيين.
و "الكتاب المنير" إشارة إلى الكتب السماوية، أي أنّها تعني الأدلّة الثلاثة المعروفة "الكتاب" و "السنّة" و "الدليل العقلي".
وأمّا الإجماع فإنّه يعود إلى السنّة طبقاً لدراسات العلماء، وقد جمعت هذه الأدلّة الأربعة في هذه العبارة أيضاً.
ويحتمل بعض المفسّرين أنّ "الهدى" إشارة إلى الإرشادات المعنوية التي يكتسبها الإنسان في ظلّ بناء الذات وتهذيب النفس وتقواه.
"وبالطبع يمكن ضمّ هذا المعنى إلى ما تقدّم آنفاً".
ويمكن أن يكون الجدال العلمي مثمراً إذا استند إلى أحد الأدلّة: العقل، أو الكتاب، أو السنّة.
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ كرر تأكيدا أو الأول في الأتباع وهذا من المتبوعين ﴿وَلَا هُدًى﴾ ولا دلالة عقلية معه ﴿وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ﴾ ذي نور أي ولا حجة سمعية من جهة الوحي.