التّفسير
الدّعوة العامّة للحجّ!
تناولت الآية السابقة قضيّة المسجد الحرام وحجّاج بيت الله، أمّا هذه الآيات فتستعرض بناء الكعبة على يد إبراهيم الخليل (ع)، ووجوب الحجّ وفلسفته، وبعض أحكام هذه العبادة الجليلة.
وبتعبير آخر: كانت الآية السابقة مقدّمة للأبحاث المختلفة التي تناولتها الآيات اللاحقة، إذ بدأت بقصّة تجديد بناء الكعبة: (وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت) أي تذكّر كيف أعددنا لإبراهيم مكان الكعبة ليقوم ببنائها.
وكلمة "بوّأ" مشتقة من بواء، أي الأرض المسطّحة، ثمّ أطلقت على إعداد المكان مطلقاً.
وتقصد هذه الآية حسبما يراه المفسّرون أنّ الله هدى إبراهيم (ع) إلى مكان الكعبة بعد أن هدمت بطوفان نوح وخفيت معالمها.
إذ حدثت عاصفة فأزالت التراب وكشفت عن اُسس البيت، أو بعث الله سحابة ظلّلت مكان البيت، أو بأيّ أُسلوب آخر كشف الله لإبراهيم (ع) أسّس الكعبة، فقام هو وإبنه إسماعيل (عليهما السلام)بتجديد بناء بيت الله الحرام(1).
وتضيف الآية الكريمة أنّه عندما تمّ بناء البيت خوطب إبراهيم(ع): (أن لا تشرك بي شيئاً وطهّر بيتي للطائفين والقائمين والركّع السجود)(2).
فمهمّة إبراهيم (ع) كانت تطهير البيت وما حوله من أي نجس ظاهر أو باطن، ومن أي صنم أو مظهر للشرك، من أجل أن يوجّه عباد الرحمن قلوبهم وأبصارهم إليه تعالى وحده في هذا المكان الطاهر، وليقوموا بأهمّ العبادات في هذه البقعة المباركة، ألا وهو الطواف والصلاة في محيط إيمانيّ لا يخالطه شرك.
وأشارت الآية أيضاً إلى ثلاثة من الأركان الأساسيّة في الصلاة: القيام، والركوع، والسجود، بالترتيب، لأنّ الأركان الباقية تستظلّ بها، على الرغم من قول بعض المفسّرين: إنّ "القائمين" تعني هنا المقيمين بمكّة، ومع ملاحظة مسألة الطواف والركوع والسجود التي جاءت قبل كلمة القائمين وبعدها يتّضح لنا أنّ القيام هنا يعني قيام الصلاة وقد إختار هذا المعنى عدد كبير من مفسّري الشيعة والسنّة أو نقلوه باعتباره تفسير لها(3).
وكلمتا "ركّع" وهي جمع للراكع، و "السجود" وهي جمع ساجد، لم يرد بينهما واو العطف، بل ذكرتا وصفاً لتقارب هاتان العبادتان.
﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾ أي واذكر إذ بيناه له ليبينه ﴿أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ﴾ من الأوثان ﴿لِلطَّائِفِينَ﴾ حوله ﴿وَالْقَائِمِينَ﴾ المقيمين عنده أو القائمين في الصلاة ﴿وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ المصلين جمع راكع وساجد.