لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وتناولت الآية التالية فلسفة الحجّ في عبارة موجزة ذات دلالات عديدة فقالت: (ليشهدوا منافع لهم). أي أنّ على الناس الحجّ إلى هذه الأرض المقدّسة، ليروا منافع لهم باُم أعينهم. وقد ذكر المفسّرون لكلمة المنافع الواردة في الآية عدّة معان، إلاّ أنّه لا تحديد لمعناها كما يبدو من ظاهر الآية، فهي تشمل جميع المنافع والبركات المعنوية والمكاسب المادية، وكلّ عائد فردي وإجتماعي وفلسفة سياسيّة وإقتصادية وأخلاقية. فما أحرى المسلمين أن يتوجّهوا من أنحاء العالم إلى مكّة ليشهدوا هذه المنافع! إنّها لعبارة جميلة! ما أولاهم أن يجعلهم الله شهوداً على منافعهم! ليروا بأعينهم ما سمعوه بآذانهم! وعلى هذا ذكر في كتاب الكافي حديثاً عن الإمام الصادق (ع) في الردّ على إستفسار ربيع بن خيثم عن كلمة المنافع... : منافع الدنيا أو منافع الآخرة؟ فقال: "الكل"(7). وسنتناول بإسهاب شرح هذه المنافع في ملاحظاتنا على هذه الآية إن شاء الله. ثمّ تضيف الآية: (ويذكروا اسم الله في أيّام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) أي أنّه على المسلمين أن يحجّوا إلى البيت ويقدّموا القرابين من المواشي التي رزقهم الله، وأن يذكروا اسم الله عليها حين الذبح في أيّام محدّدة معروفة. وبما أنّ الإهتمام الأساس في مراسم الحجّ، ينصب على الحالات التي يرتبط فيها الإنسان بربّه ليعكس جوهر هذه العبادة العظيمة، تُقيّد الآية المذكورة تقديم القربان بذكر اسم الله على الاُضحية فقط، وهو أحد الشروط لقبولها من لدن العلي القدير. وهذا الذكر إشارة إلى توجّه الحاج إلى الله كلّ التوجّه عند تقديم الاُضحية، وهمّه كسب رضى الله وقبوله القربان، كما أنّ الإستفادة من لحم الضحية تقع ضمن هذا التوجّه. وفي الحقيقة يعتبر تقديم الأضاحي رمزاً لإعلان الحاج إستعداده للتضحية بنفسه في سبيل الله، على نحو ما ذكر من قصّة إبراهيم (ع) ومحاولة التضحية بإبنه إسماعيل (ع). إنّ الحجّاج بعملهم هذا يعلنون إستعدادهم للإيثار والتضحية في سبيل الله حتّى بأنفسهم. وعلى كلّ حال فإنّ القرآن بهذا الكلام ينفي اُسلوب المشركين الذين كانوا يذكرون أسماء الأصنام التي يعبدونها على أضاحيهم، ليحيلوا هذه المراسم التوحيديّة إلى شرك بالله. وجاء في ختام الآية: (فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير). كما يمكن أنّ تفسّر هذه الآية بأنّ القصد من ذكر اسم الله في (أيّام معلومات)هو التكبير والحمد لله ربّ العالمين لما أنعم علينا من نِعَم لا تعدّ ولا تحصى. خاصةً بما رزقنا من بهيمة الأنعام التي نستفيد في حياتنا من جميع أجزاء أبدانها(8). بحوث 1 - ما هي الأيّام المعلومات؟ يأمرنا الله سبحانه وتعالى - في الآيات السابقة - أن نذكره في (أيّام معلومات). وجاء ذلك أيضاً في سورة البقرة الآية (203) بشكل آخر (واذكروا الله في أيّام معدودات). فما هي الأيّام المعلومات؟ وهل تطابق في معناها الأيّام المعدودات، أم لا؟ إختلف المفسّرون في هذه الأيّام، كما إختلفت الرّوايات التي ذكرت بهذا الصدد: حيث يرى بعض المفسّرين - ويستندون إلى بعض الأحاديث الإسلامية - أنّه يقصد ب- "الأيّام المعلومات" الأيّام العشرة الأُولى من ذي الحجّة، وأمّا "الأيّام المعدودات" فهي "أيّام التشريق" أي اليوم الحادي عشر والثّاني عشر والثّالث عشر من ذي الحجّة. الأيّام التي تُشرِق فيها القلوب. أمّا المجموعة الثّانية من المفسّرين فقد استندوا إلى أحاديث أُخرى فقالوا: إنّ العبارتين تشيران إلى أيّام التشريق التي تعتبر هي الأيّام الثلاثة ذاتها، وأحياناً يضاف إليها اليوم العاشر أي عيد الأضحى. وعبارة (فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه) التي جاءت في سورة البقرة، تدلّ على أنّ أيّام التشريق ليست أكثر من ثلاثة أيّام، لأنّ التعجيل فيها يحدث نقصاً في أيّامها فتصبح يومين. ومع ملاحظة أنّ التضحية جاءت في الآيات - موضع البحث - بعد ذكر الأيّام المعلومات. ونعلم أنّ تقديم الأضاحي يتمّ في اليوم العاشر من ذي الحجّة، فإنّ ذلك يؤكّد أنّ الأيّام المعلومات هي الأيّام العشرة الأُولى من ذي الحجّة التي تنتهي بيوم الأضحى. وعلى هذا يقوى دليل التّفسير الأوّل القائل بإختلاف معنى الأيّام المعلومات والأيّام المعدودات. ومع الأخذ بوحدة المعاني التي تضمنّتها الآيتان، يبدو أنّ الأرجح في هذه القضيّة القول بأنّ الآيتين تشيران إلى موضوع واحد، وهدفهما الإهتمام بذكر الله في أيّام معيّنة تبدأ من العاشر من ذي الحجّة وتنتهي بالثّالث عشر منه. ومن الطبيعي أن تكون إحدى الحالات التي يجب ذكر اسم الله فيها، هي حين تقديم الأضاحي(9). 2 - ذكر الله في أرض "منى" جاء في روايات عديدة أنّ ذكر الله في هذه الأيّام تكبير خاص يذكر بعد إتمام صلاة ظهر يوم عيد الأضحى، ويستمر ذكر هذا التكبير في خمس عشرة صلاة (أي ينتهي بعد صلاة صبح اليوم الثّالث عشر) وهو كما يلي: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام"(10). كما نصّت بعض الأحاديث على أنّ التكبير في المرّات الخمسة عشر خاص بالذين هم بأرض "منى" في أيّام الحجّ، أمّا من كانوا في المناطق الاُخرى فعليهم ذكر هذا التكبير عقب عشر صلوات (يبدأ من بعد صلاة الظهر من يوم العيد، وينتهي بصلاة صبح اليوم الثّاني عشر)(11) والأحاديث الخاصّة بالتكبير دليل آخر على أنّ الذكر في الآيات السابقة عامّ وليس محدّداً بتقديم الأضاحي. رغم أنّ هذا المفهوم الكلّي يشمل هذا المصداق أيضاً. 3 - فلسفة الحجّ وأسراره العميقة! إنّ لشعائر الحجّ - كما هو الحال بالنسبة للعبادات الاُخرى - بركات كثيرة جدّاً في نفسيّة الفرد والمجتمع الإسلامي. ويمكنها - إن اُجريت وفق اُسلوب صحيح - أن تحدث في المجتمعات الإسلامية تبدّلا جديداً كلّ عام. وتمتاز هذه المناسك بأربعة أبعاد مهمّة: 1 - البعد الأخلاقي للحج: أهمّ جانب في فلسفة الحجّ التغيّر الأخلاقي نحو الأحسن الذي يحصل عند الناس، فمراسم الإحرام تبعد الإنسان بشكل تامّ عن الاُمور المادية والإمتيازات الظاهرية والألبسة الفاخرة، ومع تحريم الملذّات، وبناء الذات الذي يعتبر من واجبات المحرم يبتعد الفرد عن عالم المادّة، ويدخل إلى عالم النور والصفاء والتسامي الروحي. وترى الإنسان قد إرتاح فجأةً من عبء الإمتيازات الموهومة، والدرجات والرتب والنياشين. ثمّ تلي عمليّة الإحرام مراسم الحجّ الاُخرى تباعاً، وفيها تتوطّد علاقة الإنسان الروحيّة مع خالقه - لحظة بعد أُخرى - وتتوثّق. فينقطع عن ماضيه الأسود المملوء آثاماً وذنوباً، ويتّصل بمستقبل واضح كلّه نور وصفاء. خاصّةً أنّ مراسم الحجّ تثير في الإنسان إهتماماً كبيراً - في كلّ خطوة يخطوها - بإبراهيم (ع)محطّم الأصنام، وإسماعيل (ع) ذبيح الله. واُمّه هاجر(عليها السلام). ويتجلّى للحجّاج جهادهم وتضحياتهم، إضافةً إلى كون أرض مكّة عامّة، والمسجد الحرام وبيت الكعبة ومحلّ الطواف حولها خاصّة، تذكّر الحاجّ بالرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقادة الإسلام العظام وجهاد المسلمين في صدر الإسلام، فيتعمّق أثر هذه الثورة الأخلاقية بدرجة يشاهد فيها الحاج في كلّ زاوية من زوايا المسجد الحرام وأرض مكّة المقدّسة وجه النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلي (ع)، وسائر قادة المسلمين، ويسمع قعقعة سيوفهم وصهيل خيولهم. أجل، إنّ هذه الاُمور كلّها تتّحد وتتضامن لتمهّد لثورة أخلاقية في القلوب المستعدّة. وبشكل لا يمكن وصفه تفتح في حياة الفرد صفحة جديدة. ولهذا نصّت الأحاديث الإسلامية على أنّ الذي يؤدّي الحجّ تامّاً صحيحاً "يخرج من ذنوبه كهيئته يوم ولدته اُمّه"(12)! فالحجّ ولادة ثانية للمسلم. يستهلّ بها حياة إنسانية جديدة، ولا حاجة هناك لإعادة القول بأنّ هذه البركات وتأثيرها وما نشير إليه بعد هذا ليست نصيب من إقتنع من مكاسب الحجّ بقشرته ورمي اللب جانباً. كما أنّها ليست نصيب من يعتبر الحجّ سياحة للتنفيس عن الخاطر، أو للتظاهر والرياء، أو طريقاً للحصول على متاع شخصي دنيوي، وهو في الحقيقة لم يتوصّل إلى معنى الحج الحقيقي، فكان نصيبه ما يستحقّه! 2 - البعد السياسي للحجّ ذكر أحد كبار فقهاء المسلمين أنّ مراسم الحجّ في الوقت الذي تستبطن أخلص وأعمق العبادات، هي أكثر الوسائل أثراً في التقدّم نحو الأهداف السياسيّة الإسلامية. فجوهر العبادة التوجّه إلى الله، وجوهر السياسة التوجّه إلى خلق الله، وهذان الأمران إمتزجا في الحجّ بدرجة أصبحا كنسيج واحد. إنّ الحجّ عامل مؤثّر في وحدة صفوف المسلمين. الحجّ عامل مهمّ في مكافحة التعصّب القومي والعنصري والتقوقع في حدود جغرافية. والحجّ وسيلة لتحطيم الرقابة التي تفرضها الأنظمة الظالمة، وتدمير هذه الأنظمة المتسلّطة على رقاب الشعوب الإسلامية. والحجّ وسيلة لنقل الأنباء السياسية للبلدان الإسلامية من نقطة إلى أُخرى. وأخيراً الحجّ عامل مؤثّر في تحطيم قيود العبودية والإستعمار وتحرير المسلمين. ولهذا السبب كان موسم الحجّ زمن الجبابرة كبني اُميّة وبني العبّاس الذين كانوا يسيطرون على الأراضي الإسلامية المقدّسة، ويراقبون كلّ تحرّك تحرّري إسلامي ليقمعوه بقوّة، كان الموسم متنفّساً للحرية ولإتّصال فئات المجتمع الإسلامي الكبير بعضها مع بعض، لطرح القضايا السياسيّة المختلفة التي تهمّ كلّ مسلم. وعلى هذا الأساس قال أمير المؤمنين علي (ع) في معرض حديثه عن فلسفة الفرائض والعبادات "الحجّ تقوية للدّين"(13). كما أنّ أحد السياسيين الأجانب المشهورين قال: "الويل للمسلمين إن لم يعرفوا معنى الحجّ، والويل لأعدائهم إذا أدرك المسلمون معنى الحجّ"! وإعتبرت الأحاديث الإسلامية الحجّ جهاد الضعفاء، إذ يمكن للشيوخ والنساء الضعيفات المشاركة في الحجّ ليظهروا عظمة الاُمّة الإسلامية. وليدخلوا الرعب في قلوب أعداء الإسلام بمشاركتهم في صفوف المصلّين المتراصّة في دوائر تحيط ببيت الله الحرام. وهي توحّد الله وتكبّره. 3 - البعد الثقافي للحجّ يمكن أن يؤدّي إلتقاء المسلمين أيّام الحجّ دوراً فعّالا في التبادل الثقافي في المجتمع الإسلامي، خاصّةً إذا لاحظنا أنّ إجتماع الحجّ العظيم يمثّل بشكل حقيقي فئات المسلمين من أنحاء العالم، حيث لا تصنّع في المشاركة في حجّ بيت الله الحرام، فالحجّاج جاؤوا من شتّى المجموعات والعناصر والقوميات، وقد إجتمعوا رغم إختلاف ألسنتهم. لهذا ذكرت الأحاديث الإسلامية أنّ من فوائد الحجّ نشر أخبار آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أنحاء العالم الإسلامي. يقول "هشام بن الحكم" أحد أصحاب الإمام الصادق (ع) المخلصين نقلا عن هذا الإمام العظيم (ع) أنّه قال حول فلسفة الحجّ والطواف حول الكعبة: "إنّ الله خلق الخلق ... وأمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين، ومصلحتهم من أمر دنياهم، فجعل فيه الإجتماع من الشرق والغرب، وليتعارفوا ولينزع كلّ قوم من التجارات من بلد إلى بلد ... ، ولتعرف آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتعرف أخباره ويذكر لا ينسى"(14). ولهذا السبب كان المسلمون يجدون في الحجّ متنفّساً من جور الخلفاء والسلاطين الظلمة الذين منعوا المسلمين من نشر هذه الأحكام، لحلّ مشاكلهم بالإجتماع بأئمّة الهدى (عليهم السلام) في المدينة المنوّرة ومكّة المكرّمة، وبكبار علماء المسلمين، لينهلوا من مناهل القرآن النقيّة والسنّة النبويّة الشريفة. ومن جهة ثانية يمكن أن يكون الحجّ مؤتمراً ثقافياً إسلامياً يحضره مفكّروا العالم الإسلامي في أيّام الحجّ في مكّة المكرّمة، ليتحاوروا فيما بينهم ويعرضوا نظرياتهم وأفكارهم على الآخرين. وقد أصبحت الحدود بين البلدان الإسلامية - الآن - سبباً لتشتّت ثقافتهم الأصيلة، وإقتصار تفكير مسلمي كلّ بلد بأنفسهم فقط، حتّى تقطّعت أواصر المجتمع الإسلامي الموحّد. بينما يستطيع الحجّ أن يغيّر هذا الوضع. وما أجمل ما قاله الإمام الصادق (ع) في ختام الحديث السابق الذي رواه هشام بن الحكم: "ولو كان كلّ قوم إنّما يتكلّمون على بلادهم وما فيها هلكوا، وخربت البلاد، وسقطت الجلب والأرباح، وعميت الأخبار"(15). 4 - البعد الإقتصادي للحجّ خلافاً لما يراه البعض، فإنّ مؤتمر الحجّ العظيم يمكن أن يستفاد منه في تقوية أُسس الإقتصاد في البلدان الإسلامية. بل إنّه وفق أحاديث إسلامية معتبرة يشكّل البعد الإقتصادي جزءاً مهمّاً من فلسفة الحجّ. فما المانع من وضع اُسس سوق مشتركة إسلامية خلال إجتماع الحجّ العظيم، ليوسّع المسلمون مجال التبادل التجاري فيما بينهم بشكل تعود منافعهم إليهم لا إلى أعدائهم. ومن أجل تحرير إقتصادهم من التبعية الأجنبية، وهذا العمل عبادة وجهاد في سبيل الله، ولا يمكن أن يكون حبّاً للدنيا وطمعاً فيها. ولذا أشار الإمام الصادق (ع) في الحديث السابق خلال شرحه فلسفة الحجّ، إلى هذا الموضوع بصراحة بإعتبار أنّ أحد أهداف الحجّ، تقوية العلاقات التجارية بين المسلمين. وجاء في حديث آخر للإمام الصادق (ع) في تفسير الآية (198) من سورة البقرة (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربّكم). قال (ع): "فإذا أحلّ الرجل من إحرامه وقضى فليشتر وليبيع في الموسم"(16). وكما يبدو فإنّ هذا العمل لا إشكال فيه، بل فيه ثواب وأجر. وبهذا المعنى جاء في نهاية حديث عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)لبيان فلسفة الحجّ بشكل مسهب: (ليشهدوا منافع لهم)(17) إشارة إلى المنافع المعنوية والماديّة. والأخيرة على رأي بعضهم معنوية أيضاً. فالحجّ بإختصار عبادة عظيمة لو اُستفيد منها بشكل صحيح في تشكيل مؤتمرات متعدّدة سياسيّة وثقافية وإقتصادية، لحلّ مشاكل العالم الإسلامي، ومفتاحاً لحلّ معضلات المسلمين، وقد يكون هو المراد من حديث الإمام الصادق(ع) حيث قال: "لا يزال الدين قائماً ما قامت الكعبة"(18). كما قال الإمام علي (ع) "الله الله في بيت ربّكم، لا تخلوه ما بقيتم فإنّه إن ترك لم تناظروا"(19) أي لا يمهلكم الله إن تركتم بيت ربّكم خالياً. ولأهميّة هذا الموضوع الذي خصّص له باب في الأحاديث الإسلامية تحت عنوان "وجوب إجبار الوالي الناس على الحجّ" فإذا أراد المسلمون تعطيل الحجّ في عام من الأعوام، فعلى الحكومات الإسلامية أن ترسلهم بالقوّة إلى مكّة(20). 4 - ما هو مصير لحوم الأضاحي في عصرنا؟ يستفاد من الآية السالفة الذكر أنّ الهدف من تقديم الاُضحية، إضافةً إلى الجوانب المعنوية والروحية والتقرّب إلى الله تعالى، يشمل الإستفادة من لحومها ومنح قسم منها إلى الفقراء والمحتاجين. وتحريم الإسراف في الإسلام ليس خافياً على أحد، فقد أكدّه القرآن والحديث والدليل العقلي. ومن هذا كلّه نستنتج عدم جواز ترك اللحوم على الأرض في "منى" ولا يجوز دفنها، إذ أنّ وجوب تقديم الأضاحي لا يقصد به هذه الأعمال فيجب نقل لحومها إلى مناطق أُخرى بحاجة إليها إن لم نجد محتاجين في "منى" ليستفاد منها على أفضل وجه، وهذا هو مقتضى الجمع بين الأدلّة والبراهين. ولكنّنا نجد - ومع الأسف - أنّ الكثير من المسلمين عملوا بالحكم الأوّل، ونسوا العمل بالحكم الثّاني، ولذا نشهد في كلّ عام تلف الآلاف المؤلّفة من لحوم الأضاحي التي بإمكانها أن تكون منبع غذائي مهمّ لشرائح المحرومين في المجتمعات الإسلامية، ولكنّها تترك في تلك الأرض المقدّسة بحالة سلبية ومزعجة جدّاً. وقد تحدّث لحدّ الآن الكثير من المفكّرين وعلماء المسلمين حول هذا الموضوع مع المسؤولين في المملكة العربية السعودية، وحتّى أنّهم تبرّعوا بتكاليف حفظها ونقلها إلى المؤسّسات المختّصة، ولكن جمود وتحجّر رجال الدين الوهّابيين من جهة، وعدم إهتمام المسؤولين في الحكومة السعودية من جهة أُخرى كانت مانعاً لتنفيذ هذا المشروع. ومع غضّ النظر عن مسألة حرمة الإسراف التي هي من الثوابت في التفكير الإسلامي، فإنّ منظر المذابح يوم عيد الأضحى في الحجّ حالياً بشع وغير منطقي إلى درجة يثير علامات الإستفهام لدى كلّ ضعيف الإيمان حول شعيرة الحجّ بالكامل، ويعطي للأعداء مبرّراً قويّاً للطعن والتقبيح غافلين عن أنّ هذه المسألة هي نتيجة جهل وإهمال رجال الدين الوهّابيين والسلطات السعودية، فعلى هذا، فإنّ عظمة الإسلام وأصالة مناسك الحجّ توجب على المسلمين من جميع مناطق العالم أن يمارسوا الضغط على المسؤولين في تلك الدولة لإنهاء هذه الحالة الموحشة، وتنفيذ الحكم الإسلامي في هذه المسألة. وإذا وردت أحاديث إسلامية في حرمة إخراج لحوم الأضاحي من أرض "منى" أو من "حرم مكّة" فإنّ ذلك يعود إلى زمن كان فيه في مكّة المكرّمة عدد كاف من المستهلكين والمستحقّين. ولهذا ورد في حديث صحيح الإسناد عن الإمام الصادق (ع) أنّ أحد أصحابه سأله عن هذا الموضوع، فأجاب: "كنّا نقول لا يخرج منها بشيء لحاجة الناس إليه، فأمّا اليوم فقد كثر الناس فلا بأس بإخراجه"(21). ﴿لِيَشْهَدُوا﴾ ليحضروا ﴿مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ دينية ودنيوية ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾ هي أيام النحر الأربعة أي ليسموا الله فيها ﴿عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ أي على ذبح ونحر ما رزقهم من الإبل والبقر والغنم هدايا أو ضحايا، وعن الصادق (عليه السلام) هو التكبير بمعنى عقيب خمس عشرة صلاة أولها ظهر العيد ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ﴾ من مسه بؤس أي ضر ﴿الْفَقِيرَ﴾ المحتاج.