وأشارت الآية الأخيرة إلى خلاصة ما بحثته الآيات السالفة الذكر، حيث تبدأ بكلمة "ذلك" التي لها جملة محذوفة تقديرها "كذلك أمر الحجّ والمناسك" ثمّ تضيف تأكيداً لأهميّة الواجبات التي شرحت (ومن يعظّم حرمات الله فهو خير له عند ربّه).
والمقصود هنا ب- "الحرمات" - طبعاً - أعمال ومناسك الحجّ، ويمكن أن يضاف إليها إحترام الكعبة خاصة والحرم المكّي عامّة.
وعلى هذا فإنّ تفسير هذه الآية بإختصاصها بالمحرّمات - أي كلّ ما نهى الله عنه - أو جميع الواجبات، مخالف لظاهر الآية.
كما يجب الإنتباه إلى أنّ "حرمات" جمع "حرمة" وهي في الأصل الشيء الذي يجب أن تحفظ حرمته، وألاّ تنتهك هذه الحرمة أبداً.
ثمّ تشير هذه الآية وتناسباً مع أحكام الإحرام إلى حلّية المواشي، حيث تقول: (واُحلّت لكم الأنعام إلاّ ما يتلى عليكم).
عبارة (إلاّ ما يتلى عليكم) يمكن أن تكون إشارة إلى تحريم الصيد على المحرم الذي شرع في سورة المائدة الآية (95) حيث تقول: (ياأيّها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم).
كما قد تكون إشارة إلى عبارة جاءت في نهاية الآية - موضع البحث - تخصّ تحريم الاُضحية التي تذبح للأصنام التي كانت متداولة زمن الجاهلية.
لأنّ تذكية الحيوان يشترط فيها ذكر اسم الله عليه عند الذبح، ولا يجوز ذكر اسم الصنم أو أي اسم آخر عليه.
وفي ختام هذه الآية ورد أمران يخصّان مراسم الحجّ ومكافحة العادات الجاهلية:
الأوّل يقول: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) و "الأوثان" جمع "وثن" على وكن "كفن" وتعني الأحجار التي كانت تُعبد زمن الجاهلية، وهنا جاءت كلمة الأوثان أيضاحاً لكلمة "رجس" التي ذكرت في الآية، حيث تقول: (اجتنبوا الرجس).
ثمّ تليها عبارة (من الأوثان) أي الرجس هو ذاته الأوثان.
كما تجب ملاحظة أنّ عبدة الأوثان زمن الجاهلية كانوا يلطّخونها بدماء الأضاحي، فيحصل مشهد تقشّعر الأبدان من بشاعته، وقد يكون التعبير السابق إشارة إلى هذا المعنى أيضاً.
والأمر الثّاني هو (واجتنبوا قول الزور) أي الكلام الباطل الذي لا أساس له من الصحّة.
مسألة: ما معنى (قول الزور)؟
يرى بعض المفسّرين أنّه إشارة إلى كيفيّة تلبية المشركين في مراسم الحجّ في زمن الجاهلية، لأنّهم يلبّون بشكل يتضمّن الشرك بعينه، ويبعدونه من صورته التوحيديّة، فقد كانوا يردّدون: "لبّيك لا شريك لك، إلاّ شريكاً هو لك! تملكه وما ملك!".
حقّاً إنّه كلام باطل ودليل على (قول الزور) الذي يعني في الأصل: الكلام الكاذب، والباطل، والبعيد عن حدود الإعتدال.
ومع هذا فإنّ إهتمام الآية المذكورة بأعمال المشركين في مراسم الحجّ على زمن الجاهلية، لا يمنع من تعميمها على بطلان أيّة عبادة للأصنام بأيّة صورة كانت، وإجتناب أي قول باطل مهما كانت صورته.
ولهذا فسّرت بعض الأحاديث الأوثان بلعبة الشطرنج، وقول الزور بالغناء، والشهادة بالباطل.
وفي الحقيقة فإنّ ذلك بيان لبعض أفراد ذلك الكلّي، وليس القصد منه حصر معنى الآية بهذه المصاديق فقط.
﴿ذَلِكَ﴾ أي الأمر ذلك المذكور ﴿وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ﴾ أحكامه وما لا يحل هتكه من جميع التكاليف أو ما يتعلق بالحج ﴿فَهُوَ﴾ أي تعظيمها ﴿خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ﴾ ثوابا ﴿وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ﴾ كلها أكلا ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ تحريمه في حرمت عليكم الميتة الآية ونحوها ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾ من بيانية ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ هو الكذب أو شهادة الزور أو الغناء أو قول: هذا حلال وهذا حرام.