ويستدلّ من بعض الأحاديث أنّ مجموعة من المسلمين كانوا يعتقدون بعدم جواز الركوب على الاُضحية (الناقة أو ما شابهها) حين جلبها من موطنهم إلى منى للذبح، كما يرون عدم جواز حلبها أو الإستفادة منها بأي شكل كان، ولكن القرآن نفى هذه العقيدة الخرافية حيث قال: (لكم فيها منافع إلى أجل مسمّى).
وجاء في حديث نبوي أنّ الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) مرّ برجل يسوق بدنة وهو في جهد، فقال (ع): "اركبها" فقال: يارسول الله إنّها هدي.
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) "اركبها ويلك"(6).
كما أكّدت أحاديث عديدة وردتنا عن أهل البيت (عليهم السلام) هذا الموضوع ومنها حديث رواه أبو بصير عن الإمام الصادق (ع) في قوله عزّوجلّ: (لكم فيها منافع إلى أجل مسمّى) قال: "إن احتاج إلى ظهرها ركبها من غير عنف عليها، وإن كان لها لبن حلبها حلاباً لا ينهكها"(7).
والحقيقة أنّ الحكم أعلاه معتدل وحدّ وسط بين عملين يتّصفان بالإفراط وبعيدين عن المنطق.
فمن جهة كان البعض لا يحتفظ بالأضاحي أبداً حيث يذبحها قبل الوصول إلى "منى" ويستفيد من لحومها.
وقد نهى القرآن عن ذلك كما جاء في الآية الثّانية من سورة البقرة (لا تحلّوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد).
ومن جهة أُخرى كان آخرون يفرطون إلى درجة عدم الإستفادة من الانعام بمجرّد تخصيصها للاُضحية، فلا يحلبونها ولا يركبون عليها إن كانت ممّا يركب وإن بعدت المسافة بين موطنهم ومكّة، وقد أجازت الآية موضع البحث ذلك.
والنقد الوحيد الذي يمكن أن يوجّه إلى التّفسير السالف الذكر، هو أنّ الآيات السابقة، لم تتطرّق إلى الأضاحي، فكيف يعود ضمير الآية اللاحقة إليها؟
ولكن مع ملاحظة كون حيوان الأضاحي من مصاديق "شعائر الله" التي اُشير إليها في الآية السابقة، وسيأتي ذكرها أيضاً بعد هذا، يتّضح بذلك الجواب عن هذا الإستفسار(8).
وعلى كلّ حال تذكر الآية في ختامها نهاية مسار الاُضحية: (ثمّ محلّها إلى البيت العتيق).
وعلى هذا يمكن الإستفادة من الانعام المخصّصة للاُضحية ما دامت في الطريق إلى موضع الذبح، وبعد الوصول يجرى ما يلزم.
وبالطبع فإنّ المفسّرين يقولون بأنّ الذبح يجب أن يتمّ في منى إن كانت الاُضحية تخصّ الحجّ.
أمّا إذا كانت لعمرة مفردة ففي أرض مكّة.
وبما أنّ الآيات المذكورة تبحث في مراسم الحجّ، فيجب أن يكون للبيت العتيق (الكعبة) مفهوم واسع ليشمل بذلك أطراف مكّة (أي منى) أيضاً.
﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ﴾ درها وظهرها ﴿إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ وقت نحرها ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا﴾ مكان حل نحرها ﴿إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ أي ما يقرب منه، قيل هو الحرم كله وعندنا أنه في الحج مني وفي العمرة المفردة مكة بالجزورة.