التّفسير
بشّر المخبتين:
يمكن أن يتساءل الناس عن الآيات السابقة.
ومنها التعليمات الواردة بخصوص الاُضحية، كيف شرّع الإسلام تقديم القرابين لكسب رضى الله؟ وهل الله سبحانه بحاجة إلى قربان؟ وهل كان ذلك متّبعاً في الأديان الاُخرى، أو يخصّ المشركين وحدهم؟
تقول أوّل آية - من الآيات موضع البحث - لإيضاح هذا الموضوع أنّ هذا الأمر لا يختصّ بكم، بل إنّ كلّ اُمّة لها قرابين: (ولكلّ اُمّة جعلنا منسكاً ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام).
يقول الراغب الاصفهاني في مفرداته: "النُسك" يعني العبادة، والناسك هو العابد، ومناسك الحجّ تعني المواقف التي تؤدّى فيها هذه العبادة، أو إنّها عبارة عن الأعمال نفسها.
إلاّ أنّ العلاّمة الطبرسي يقول في "مجمع البيان" وأبو الفتوح الرازي في "روح الجنان": "المنسك" (على وزن منصب) يمكن أن يعني - على وجه التخصيص - الاُضحية، بين عبادات الحجّ الاُخرى(1).
ولهذا خصّ المنسك - رغم مفهومه العام وشموله أنواع العبادات في مراسم الحجّ - هنا بتقديم الاُضحية بدلالة (ليذكروا اسم الله).
وعلى كلّ حال فإنّ مسألة الاُضحية كانت دوماً مثار سؤال، لإمتزاج التعبّد بها بخرافات المشركين الذين يتقرّبون بها إلى أوثانهم على نهج خاصّ بهم.
ذبح حيوان باسم الله ولكسب رضاه يبيّن إستعداد الإنسان للتضحية بنفسه في سبيل الله، والإستفادة من لحم الاُضحية وتوزيعه على الفقراء أمر منطقي.
ولذا يذكر القرآن في نهاية هذه الآية (فإلهكم إله واحد) وبما أنّه إله واحد (فله أسلموا) وبشّر الذين يتواضعون لأحكامه الربّانية و (بشّر المخبتين)(2).
ثمّ يوضّح القرآن المجيد في الآية التالية صفات المخبتين (المتواضعين) وهي أربع: إثنتان منها ذات طابع معنوي، وإثنتان ذات طابع جسماني.
﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ﴾ من الأمم ﴿جَعَلْنَا مَنسَكًا﴾ قربانا أو متعبدا وقرىء بالكسر أي مكان نسك ﴿لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ عند ذبحها ويفيد اختصاص القربان بها ﴿فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ لا شريك له فلا تذكروا على ذبائحكم إلا اسمه ﴿فَلَهُ أَسْلِمُوا﴾ انقادوا ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ الخاضعين الخاشعين.